طيف الشام
يشهدُ الشمال السوري في مناطق إدلب وريفها، وريف حلب الغربي صراعاً حاداً بين الفصائل العسكرية المسلحة (الجيش الحر-جبهة فتح الشام) الذين كانوا منذ أشهر يخوضون معارك في صف واحد، ويعملون في غرفة عمليات واحدة من أجل فكِّ الحصار عن مدينة حلب التي سيطر عليها النظام السوري مؤخراً.
هذا الانقلاب لم يكن مفاجئاً لدى الكثيرين الذين يعرفون تركيبة الفصائل وسياسة جبهة فتح الشام وأهدافها القريبة والبعيدة، فعندما لمست الأخيرة أنَّ الفصائل الثورية قد مشت في خيار الحل السياسي في أستانة وأنَّها تنوي الانفصال عن (فتح الشام) بمعنى قطع علاقاتها معها، سارعت إلى المضي قدماً في تكتيك جديد يحافظ على مصالحها، وهو ابتلاع الفصائل واحداً تلو الآخر أو إجبارها على الاندماج مع حركة أحرار الشام لتأجيل المعركة إلى أجل غير مسمى.
لم تنطلِ حيلة الفصائل على (فتح الشام) واستطاعت في وقت مبكر أن ترد بقوة غير خجلة على خطة الفصائل التي اعتمدت الإيهام، وذلك بعد إعلان حركة أحرار الشام عن عدم مشاركتها في المفاوضات في أستانة، وربما يكون ذلك حرصاً منها على عدم حدوث اصطدام بينها وبين (فتح الشام)، إضافة إلى اختيار محمد علوش المنتمي إلى (جيش الإسلام) رئيساً للمفاوضين عن الفصائل العسكرية، كون أنَّ المقر الرئيس لجيش الإسلام بعيد عن الشمال حيث مركز (فتح الشام)، وكون علوش قريب من الهيئة العامة للمفاوضات في الرياض.
هذه العملية التي كانت تراعي الوضع الحالي في الشمال، وتريد أن تبقي على مساحة مع جبهة (فتح الشام)، مع الانخراط في المفاوضات بقيادة بعيدة عن الخطر، لم تستسغها (فتح الشام) وأدركت خطرها عليها، فاتجهت نحو منطقها المعتاد بالنسبة إليها وهو القوة، فقامت بتحصين مواقعها وشن هجوم مباغت على الفصائل العسكرية القريبة منها معتمدة على خطاب المظلومية لتكسب التعاطف الشعبي وعلى نفوذها وبطشها.
ولذلك فإنَّ من المتوقع من الفصائل العسكرية في شمال سوريا أن تتراجع عن موقفها المبارك لمفاوضات أستانة لتحافظ على وجودها وتبعد عن نفسها خطر الاستئصال، أو سيبدأ التصنيف على الساحة السورية لينقسم الصف إلى إرهابي وثوري، وتبدأ الآلة الإعلامية عملها بالتعاون مع المؤسسات الدينية، لتشرعن قتال (فتح الشام) بهدف اجتثاثها من معقلها الأخير، وستقوم الفصائل بهذه المهمة التي قد تكون صعبة نوعا ما، لكنَّها لن تكون أصعب من المعارك التي جرت في حلب مع تنظيم (داعش) الذي يفوق جبهة (فتح الشام) بالعدد والقوة.
هذا السيناريو الأخير لا بدَّ أنَّه يستطيع أن يدفع الفصائل تجاه المفاوضات من أجل الوصول إلى الحلِّ السياسي وسيبرئهم من تهمة الإرهاب التي يصرُّ عليها النظام وروسيا متخذين (فتح الشام) ذريعة وشماعة.
ومهما يكن من أمر، فإنَّ الساحة السورية مقبلة على تطورات شديدة الأهمية، وعلى فصول جديدة ستعيد رسم الخريطة السياسية والعسكرية.