سلوى عبد الرحمن
منذ بداية تحرير مدينة إدلب، بعض الفصائل ماتزال تضيِّق على النساء من خلال تدخلهم المباشر في قضية اللباس الشرعي لاسيما طالبات المدارس والمعاهد والنساء في الأسواق والشوارع، في حين إنَّ معظم نساء المدينة معيلات، ولا يمكنهنَّ تأمين متطلبات المعيشة بسهولة، إضافة لمعاناتهنَّ من نقص الخدمات التي يتوجب على الفصائل وإدارة المدينة تقديمها لجميع المدنيين.
تمَّ إخراج بعض الطالبات من أحد معاهد التعليم الخاص، وكذلك من بعض المدارس بحجة عدم التزامهن باللباس الشرعي، حيث أصدرت هيئة الفتح للدعوة والأوقاف في المدينة في بداية العام الحالي قرارًا ينص على منع المعلمات والطالبات من دخول المدارس والمعاهد ودوائر الدولة إذا لم يلتزمنَ باللباس الشرعي الذي يجب أن يكون واسعًا وطويلًا ذا لون غامق خاليًا من الزينة.
إحدى طالبات المعهد لم ترغب بذكر اسمها لأسباب أمنية أوضحت لحبر:” كنت خائفة أثناء تفقد الحسبة للباسنا، خاصة لأنَّهم يحملون السلاح، ولدخلولهم بشكل مفاجئ، لقد حزنت على إخراج زميلاتي من المعهد، فالوقت بات قصيرًا للامتحان، ولا أجد هذا الأمر سببًا مقنعًا لفصلهاَ، علمًا أنَّ بعضهنَّ غير قادرات على شراء “مانطو” آخر جديد خاصة وأنَّنا على أبواب نهاية فصل الشتاء أو لا رغبة لهنَّ باللباس الشرعي”.
في حين اعتبرت (سناء) مواطنة ومعلمة في إدلب أنَّ: ” نساء مدينة إدلب كلهنَّ محجبات ولباسهنَّ محتشم ولا ينبغي لأحد أن يجبرهنَّ على لباس محدد، فنحن بالنهاية مسلمون، واعتبرُ ذلك أسلوبا يشابه أسلوب النظام القمعي لإجبار النساء على الالتزام بالقرار، وذلك أمر مجحف بحريتهنَّ الشخصية، لاسيما عندما تقوم بعض النسوة المنقبات اللواتي يُسمين بـ “نساء الحسبة” بالتجول في أسواق ومدارس المدينة، وإهانة بعض النسوة، وملاحقة أخريات بحجة عدم التزامهنَّ باللباس الشرعي، فلا شيء يفرض على المواطن بالقوة”.
فيما قال مسؤول في الهيئة الشرعية لمراسلة حبر، ووالدة إحدى طالبات المعهد:” منذ سنة ونحن نحاول التقرب من الطالبات لمساعدتهنَّ في تطبيق اللباس الشرعي من خلال الدروس الشرعية ومنح بعضهنَّ لباسًا شرعيًا شتويًا وصيفًيا مجانًا، كما أنَّنا راعينا عُرف البلد في مسألة اللباس، وما نطلبه منهنَّ هو شيء بسيط والكثير من الناس واجهونا برفض تطبيق القرار، أمَّا عن مسألة فصل بعض الطالبات فقد تم تنبيههنَّ أكثر من مرة”.
وفي سؤال عن اختزال الأمر بالمعروف باللباس الشرعي فقط، والنهي عن المنكر في مسألة منع التدخين والاختلاط بين الرجال والنساء قال: ” لدينا عدة اجتهادات شرعية، ونقدم البذل والعطاء لكثير من المحتاجين، حتى يشعر الناس بأنَّنا لسنا بعيدين عنهم، والأخطاء الفردية التي صدرت عن بعض عناصر الهيئة ليست مقياسًا، وعلى جميع الناس مساعدتنا بتسهيل تطبيق الشرع في كافة نواحي الحياة”.
“ابنة الإسلام” أحد المحلات التجارية التابعة للهيئة الشرعية التي تبيع لباسًا شرعيًا للنساء بأسعار رخيصة، إلا أنَّ معظم الفتيات لا يرغبنَ بشرائها لأنَّها لا تتوافق مع كافة الأذواق الدارجة في الأسواق.
وقد أثارت هذه التصرفات استياءً بين المدنيين لعدم قدرة معظمهم على شراء “اللباس الشرعي” من الأسواق بسبب ارتفاع أسعارها مقارنة مع دخلهم المحدود، ولذلك معظمهم يلجأ للألبسة الأوربية المستعملة التي قد لا تتوافق مع المواصفات الآنفة الذكر، وبعض الآباء لديهم أكثر من فتاة، الأمر الذي يمنع شراء لباس شرعي للكل.
أصبح معظم السوريين تحت رحمة الجهة التي تسيطر على مناطقهم، فعلى سبيل المثال صدر مؤخرًا قرارًا في مدينة جرابلس بمنع النقاب داخل المدارس، وقد لاقى القرار استياء من البعض وتأييدًا من آخرين، ولا يختلف الأمر كثيرًا عمَّا كنَّا نعايشه في أوقات سيطرة النظام، حيث كان يمنع الحجاب في المدارس وبعض المعاهد أيضًا، الأمر الذي يضع النساء السوريات في دوامة أينما وجدنَ.
صحيح أنَّ التربية الإسلامية هي الأساس لتأسيس جيل قادر على بناء المجتمع من جديد، لكن ليس من خلال الضغط عليهنَّ وإجبارهنَّ بالقوة، لأنَّ الحرب أضافت إليهنَّ أعباء كثيرة، وحتى لو أرغمتهنَّ الهيئة الشرعية والحسبة على الالتزام بتعاليم الإسلام الظاهرة، فلن تستطع إرغامهنَّ على محبة الالتزام بالدين.