اقتصر التآلف والتعايش بين أبناء المحافظات السورية قبل الثورة على صلات القرابة أو الشباب خلال خدمة العلم أو طلاب الجامعات أو فرص العمل أو الزواج وبنسب محدودة، ولكل محافظة عادات وتقاليد مختلفة عن الأخرى ومنها ما هو مشترك، وكلها جزء من منظومة فكرية وثقافة سورية.
لكن النزوح والتهجير المستمرين ساهما في التمازج الاجتماعي والاقتصادي وتبادل العادات والتقاليد بين الأسر من مختلف المدن والبلدات السورية بعد أن هجرهم النظام قسرًا إلى الشمال السوري وعلى وجه الخصوص إلى إدلب.
مظاهر التعايش والتآلف
أبرز وأهم العلاقات التي تزيد المحبة وتقوي الروابط وتنصهر فيه العادات والتقاليد هو الزواج بين شباب وفتيات من مناطق سورية مختلفة، علمًا أن الوضع المعيشي والاقتصادي متدهور لمعظم السوريين في بداية نزوحهم إلا أن الزواج لم يعد مكلفا كما كان سابقًا.
“لم أجد صعوبة في الاعتياد على طباع زوجي ونمطه المعيشي، وكذلك زوجي تأقلم على كثير من عاداتنا التي تتشابه مع تقاليد أهالي حلب لدرجة كبيرة حتى في مراسم الأفراح والأعياد والأحزان” بحسب حنان “24” عامًا من مدينة إدلب ومتزوجة من حلبي.
تبادل الخبرات في العمل
يجمع العمل بين السوريين المهجرين في المؤسسات والمنظمات والجمعيات والمدارس والجامعات، وقد أبدى المدنيون والقائمون على استقبالهم تسهيلات خاصة لهم لمتابعتهم ومساعدتهم في تأمين مستلزماتهم وأشغالهم ومهنهم وتعليمهم بعد أن خسروها. معظمهم اختار أن ينقل خبراته معه إلى الشمال السوري، مع محاولة الحفاظ على الهويات الثقافية ونكهة الأطعمة إضافة إلى العمل وتعلم وتبادل المهارات مع بعضهم في كافة مجالات الحياة.
“هيا شويرتاني” إعلامية في Syria charity من حي الوعر بحمص، تسكن حاليًا في بنش مع مجموعة من أقاربها في أبنية متجاورة، أشارت في حديث لصحيفة حبر إلى أنها تكيفت مع الوضع المعيشي الجديد، إضافة إلى أنها تعمل مع زملاء من حلب وإدلب وحماة ودمشق كونت معهم صداقات، وأضافت: “خلال خروجي مع المنظمة استجابةً لاستقبال أهالي الغوطة، لم يبقَ نازح أو مهجر إلا وشارك سكان الغوطة الطيبين بكل ما يستطيع، ويمكن لزائر بنش أن يشاهد في حاراتها ابن المدينة يجاور ابن حلب ودمشق وحمص وحماة ودير الزور والرقة، وجميعهم يعيشون بمودة في مجتمع واحد في قطعة جغرافية صغيرة.”
وأردفت هيا: “شعرت بوجعهم حين رأيت امرأة من الغوطة تبكي بمرارة، فقد عرفنا قبلهم صعوبة أن يغادر المرء بيته وبلده الذي عاش فيه لسنوات، لكن والحمد لله تمكنّا من مواساتهم ومساعدتهم ضمن الإمكانيات المتاحة”.
“أنتم أهل الدار ونحن ضيوف عندكم، وان شاء الله تعودون إلى مدينتكم منصورين ونزوركم فيها” أكثر عبارة رددها الأهالي خلال استقبالهم لمعظم المهجرين، حيث أطلق مدنيون من مختلف المدن السورية بكافة مناطق الشمال مبادرات لتقديم الخدمات للوافدين مجانًا كما تم تنظيم حملات متعددة للتبرع لتأمين احتياجات النازحين سواء جماعية أو فردية.
أسواق إدلب تزدهر
تشهد أسواق محافظة إدلب ازدحامًا شديدًا ممَّا أدى إلى ازدهار الاقتصاد فيها بشكل ملحوظ وزيادة حركة البيع والشراء، فما إن تدخل سوق المدينة حتى يلفت انتباهك تعدد لهجات الباعة من التجار وأصحاب المطاعم والمهن المتنوعة مما يدل على تناغم وتآلف سكانها.
مطاعم دمشقية وحلبية وحمصية وحموية وإدلبية تغني سكان إدلب ومهجريها عن زيارة المحافظات التي لم يعد بإمكانهم زيارتها بغية تذوق مأكولاتها أو التسوق فيها، فتحضر كل النكهات في طبق واحد وسط الخضراء التي باتت مأوى للجميع.
“صباح الحسن 21 عامًا” من حرستا وجدت متعة في التسوق في إدلب بعد حصار دام أكثر من أربع سنوات فقالت: ” لم أتوقع أن أرى كل هذا التنوع في البضائع، كأننا كنا نعيش في كوكب آخر، كلي أمل بأني سأنجح ببدء حياة جديدة مع سكانها الطيبين”.
رغم الازدحام والفوضى في مؤسسات المدينة إلا أنها أصبحت “عاصمة الشمال” أو “سورية المصغرة” كما وصفها كثيرون لأنها أكبر مركز تجمع للمعارضين السوريين، وحتى وإن لم تخلو من بعض المشاكل أو المشاحنات التي غالبًا ما تنتهي بسرعة، فالمصاب جلل، وما يجمعهم أكبر بكثير من التفاهات وفق “عبد اللطيف الأحمد” 35 عام أحد المهجرين من ريف إدلب الشرقي.
لانجزم أن الأمور تسير بأفضل حالاتها، فلا شيء أصعب من أن يُرغم الانسان على مغادرة بيته وبلده، لكن المهجرين وأهالي إدلب أثبتوا للعالم أن السوريين شعبٌ يحبُّ الحياة كما الموت أملًا في تحقيق حلمهم في الحرية والكرامة مع رفاق الثورة، فتبدو المحافظة كمزهرية تجمع ورود سورية كلها بألوان وروائح متنوعة.