كلُّ منعطف نمرُّ به في حياتنا، يستنزف طاقاتنا وأوقاتنا ربَّما دون أن نشعر بذلك… وخاصة إن كان بما لا تشتهيه الأنفس…
فتارةً يصدمنا الواقع بأشخاص دخلوا حياتنا ولم يتركوا سوى أثراً سيئاً بداخلنا، وتارةً أخرى يواجهنا الفشل بأشكاله وألوانه ويقف حاجزاً أمام مواصلتنا الطريق…
اليأس والحسد والحقد، بل والظلم وغيرها الكثير من الأمور السلبية التي باتت تقيدنا بأغلال وسلاسل من أعلى رؤوسنا إلى أخمص أقدامنا في محاولة لإصابتنا بالشلل الكلي بما فيه التفكير لدينا، لدرجة ينتهي الحال بنا أحياناً إلى التفكير بعدم فائدة وجودنا في الحياة، وأنَّنا زائدون عليها وفاشلون، لا نقدم ولا نؤخر شيئاً، سوى أنَّنا نرمق الأغلال التي تلفنا بنظرة يملؤها اليأس والقلق واللوم، يأس يصيبنا بسبب عجزنا وتقصيرنا، وقلق ينتابنا حيال مصيرنا، ولوم نلقيه على الآخرين بشكل متواصل متناسين أنَّ كلَّ ما يحصل لنا ويصيبنا هو جراء ما كسبته أيدينا، وهو مسؤوليتنا وقرارنا بزجِّ وسجن أنفسنا في هذه الأوضاع، فتلفُّ بنا الأوهام والصراعات، وتفقدنا الرغبة والمتابعة في الحياة، فالبعض يحاول من جديد، والآخر يستسلم ولا يرى حريته إلا عبر تخلصه من الحياة، الانتحار مثلا…
وبين كلِّ هذا وذاك، وبطبيعة بشريتنا، ينتاب الجميع هذا أمر على الأقل مرةً واحدةً في الحياة… فنجد في القرآن الكريم ثلاث آيات متتاليات كأنَّها تتحدث عنَّا، نرددها ونكررها دائما، بل ربَّما حفظناها منذ صغرنا، تخبرنا عن أهم سبب في عجزنا، ثلاث آيات في سورة البلد هي:((فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ)) ثلاث آيات تتحدث عنَّا وعن جمودنا، فلا اقتحم العقبة، نعم لم نقتحم العقبة، أي عقبة من العقبات التي تواجهنا وتجعلنا عاجزين عن الحركة، وكل عقبة تنسينا دورنا في خلافة الأرض، وتقنطنا من رحمة الله، وما أدراك ما العقبة؟ وما أدرانا ما هي، فلا حاولنا البحث عن المشكلة التي تودي بنا لحالنا هذا، ولا كلفنا أنفسنا بمحاولة حلها…
فك رقبة! أيُّ رقبة؟ ربَّما هي تحرير رقبة مؤمنة و إعتاقها في سبيل الله، لكن لا مانع من فهمها من بُعدٍ آخر أقرب إلينا ولواقعنا… لمَ لا تكون تحرير رقبتنا وإعتاقها؟! إعتاقها من قيود الأوهام والهواجس والمخاوف قبل تحرير رقبة الآخرين، فمساعدة الغير تبدأ بمساعدة أنفسنا أولا؛ لأنَّ سنة الكون معلومة بأنَّه لن يتغير أيُّ شيء ما دمنا لم نتغير نحن!
لا جدوى من الشكوى والتباكي وتبرير العجز والفشل عبر إلقاء اللوم على الآخرين، تتساءل عن الحل يا صاحبي؟ أقول لك: واجه نفسك بكل شجاعة، وتحسَّس الأغلال والسلاسل التي تقيدك وتثقل كاهلك، وأنصت إلى صليلها الذي تسبب بتثبيط عزيمتك…
دع شريط الحجج والأوهام التي خَدعت بها نفسك لتبرر عجزك وتراخيك واستسلامك من أول منعطف تصطدم فيه يمرُّ أمام عينيك…
وتذكر الكلمات الهادمة التي سمحتَ لها بأن تؤثر فيك وتشكِّل قيداً آخر يلفك، بل ويضيق عليك…
أمعنِ النظر بكلِّ هذه الأمور، فأنت الوحيد الذي بإمكانه إيجاد مخرج لنفسك من هذا السجن…
إنَّه تحرير الرقبة من الشهوات والنزوات، والفشل والنكد، والجهل والفساد، وبالتالي تحرير العقل ليفكر بواقعه ومستقبله ويرسم أهدافاً يحثُّ الخطى في سبيل تحقيقها.
كله يبدأ باقتحام الخوف من مواجهة العقبة، وبالتالي إعتاق النفس منها لتجعل منك إنساناً حيًّا بقلبك وعقلك وفكرك، مؤمناً بأنَّه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون…