ما إن بدأ الحراك السلمي للثورة السورية في منتصف العام 2011 حتى بدأت أجهزة المخابرات السورية بشن عملة اعتقالات تعسفية تطال المدنيين الذين شاركوا في المظاهرات المطالبة بالحرية والكف عن الظلم ورفع سطوة الأجهزة الأمينة، بالإضافة إلى اعتقال النشطاء والأطباء والمهندسين والمثقفين وكل من لديه صلة بالمظاهرات السلمية في معظم المحافظات السورية
الفنان التشكيلي ” عبد الرزاق إبراهيم الطويل ” من مواليد بلدة معرة حرمة بريف إدلب الجنوبي عام 1975 عمل قبل نشوب الأحداث في سورية في مهنة الرسم على الفسيفساء في محل له أنشأه في منطقة باب شرقي في دمشق القديمة قبل أن يتم اعتقاله من مقبل المخابرات السورية بتاريخ الخميس 9/2/2012 بتهمة المشاركة في الأحداث آنذاك
وفي لقائنا معه تحدث عن قصة اعتقاله من قبل أجهزة المخابرات السورية في 9/2/2012 وعن معاناته في سجن مطار مزة العسكري حيث كان يقبع في زنزانة صغيرة ومعه قرابة 30 معتقلاً تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة البشرية حيث لا ماء ولا طعام ولا احتياجات طبية. يقول: “كنا نسمع من خلالها صرخات تشق جدران السجن بسبب التعذيب الذي يمارسه المحقق الذي كان يحمل رتبة ملازم أول.”
ويتابع حديثه: بتاريخ السبت 5/1/2013 أي بعد مرور أكثر من عام على وجودي داخل أقبية مطار المزة العسكري الذي واجهت فيه أقسى انواع التعذيب والتنكيل، تم نقلي إلى مقر الشرطة العسكرية، وعند الصباح نقلوني إلى سجن عدرا المركزي بريف دمشق الذي يبعد 20كم عن مركز العاصمة دمشق.”
وعمَّا شاهده داخل سجن عدرا يقول: “ما جعلني أشعر بالأسف كثيراً هو وجود أطفال صغار تتراوح أعمارهم بين 12 و 17 عاماً بالإضافة إلى عدد كبير من النساء ولم يسلمنَ أيضاً من سطوة التعذيب فقد تعرضن للكثير من التعذيب والاغتصاب والضرب.”
وعن أصعب القصص التي واجهته خلال فترى إقامته في السجن : “في إحدى المرات دخل عنصر من عناصر السجن إلى الزنزانة التي كنت فيها حاملاً بيده ” الكرباج ” وبدأ ينظر إلينا بنظرات يملؤها الإجرام وذلك بعد أن قام بالتلفظ بألفاظ بذيئة عبرت بطبيعة الحال عن شخصيته هو لا أكثر، وبعد ثوان قليلة اتجه نحوي وأمسكني بقوة شديدة من ثيابي الممزقة وسحبني إلى خارج الزنزانة وقام بتعصيب عيني وربط يدي إلى الخلف، ثم انهال علي بالضرب بالكرباج دون توقف لأكثر من ساعة وهو يحاول أن يأخذ مني المعلومات التي يريدها وهي ان أعترف بأني كنت مع المتظاهرين وشاركت في الأحداث وقمت بصناعة العبوات المتفجرة وغيرها من الاتهامات، لكن دون جدوى، فلم أعترف بأي شيء. وبعد أن يأس مني قال لي: ” ستعترف أو سأفعل بك مثل ما سأفعله الآن بصاحبك، ثم رفع الغطاء عن عيني ووخزني على رأسي لألتفت إلى جهة اليمين، وفعلا بعد أن نظرت رأيت شاباً مكبلا من يديه ومعصوم العينين، ذهب العنصر باتجاه الشاب وأخذ العصاة الكهربائية وبدأ يضربه على رأسه دون رحمة حتى مات الشاب بين يديه من شدة التعذيب، حينها شعرت بالانهيار من شدة الموقف الذي حصل أمامي مع ذلك الشاب الذي لا يتجاوز العشرين من عمره، ثم عاد إلي وقال لي بنبرة صوته الخبيثة: هل ستعترف أم ماذا؟ فهنا بدأت أتكلم بأشياء لم أفعلها في يوم من الأيام للنجاة بروحي بعد أن أيقنت أنني بين يدي سفاح لا يعرف معنى الإنسانية.”
خرج عبد الرزاق بعد أن أقضى مدة محاكمته بتاريخ 24/11/217 وبعد أن دفع مبلغ 700 ألف ليرة سورية، فعاد إلى بلدته معرة حرمة ليتابع عمله في الرسم على الفسيفساء وأقام مركزاً لتدريب الراغبين بتعلم هذه الحرفة، وختم حديثه بالقول: “كانت تلك تجربة أعادت إلي الثقة بنفسي وأعطتني دفعة جديدة لأستمر فيما كنت قد بدأت به، ولم تثنيني هذه الرحلة القاسية عن مواصلة طريق حياتي، وسوف أبقى دائماً في وجه الظلم من أي طرف كان، وأتمنى أن أكون مثالاً لغيري حتى نعيد لسورية صورتها بعد انتهاء هذه الحرب الدامية.