بقلم عبد الملك قرة محمد
لم تعد الحرب القائمة في سوريا اليوم عبارةً عن تغيراتٍ وأضرار سياسية وعسكرية طال تأثيرها جميع جوانب الحياة، بل أصبح للحرب تأثير نفسي كبير لاسيما على الأطفال الذين عايشوا الثورة.
حيث يرى كثير من الناس أن الضرر النفسي الذي سببته الحرب على الأطفال لا يقل خطورة عن الأضرار البشرية والمادية الأخرى وخاصة بعد تدمير عدد كبير من المدارس المليئة بالأطفال، حيث أصبحت إجراءات السلامة التي يتبعها الأطفال عند التعرض لقصف من الطائرات سلوكاً يومياً، وهذا ما قد يؤدي إلى إصابة الأطفال بظواهر نفسية تؤثر في تفكير الطفل وطبيعته البشرية الطفولية، ممَّا يساعد في تحويل سلوك الأطفال إلى سلوك عدواني بالإضافة إلى إصابة الأطفال بأعراض نفسية كالتوتر الشديد الذي يؤدي إلى أضرار جسيمة تصيب الجهاز العصبي.
وهذا ما دفع عدداً من المدارس إلى إقامة مراكز دعمٍ نفسي وظيفتها التخفيف من آلام الحرب وتأثيرها على الأطفال وذلك باتباع الإجراءات اللازمة التي تخرج الطفل من واقع الحرب إلى واقع السلام.
لذلك قمنا بزيارة لعدد من مراكز الدعم النفسي في ريف حلب الغربي والتقينا مع الأستاذ فادي المرشد النفسي في مركز الدعم التابع لتجمع مدارس اقرأ في ريف حلب وطرحنا عليه الأسئلة التالية:
• ما هو الهدف من إقامة مراكز دعم نفسي للأطفال؟
-الهدف هو إخراج الطفل من جو الحرب إلى جو السلام حتى يشعر بالبيئة الآمنة، وإبعاده عن التفكير بمظاهر الحرب والدماء من خلال تشجيع السلوك التعاوني بين الأطفال بالإضافة إلى جذب الأطفال للعودة إلى مدارسهم من أجل التخفيف أو إلغاء ظاهرة عمالة الأطفال.
• كيف تقومون بهذه المهام؟ وماهي الوسائل المتوفرة؟
-نقوم بمهام تغيير السلوك من خلال المكافآت والهدايا الرمزية بالإضافة إلى الأساليب المحفزة وإحساس الطفل بضرورة التميز والإبداع من خلال الصور والإنشاد ومعارض الرسم وتنوع الألعاب التي تعتمد على الحركة والتفكير، بالإضافة إلى المسرحيات الهادفة، حيث يقوم التلاميذ بتمثيلها ثم استنتاج السلوك الحسن منها في محاولة بأن بكون سلوك الطفل موافقاً للسلوك الأمثل.
كما يتم التواصل مع الأهل من أجل تعزيز الإيجابيات وتخفيف الأمور السلبية من خلال التعرف على طباع الطفل في المنزل وفي المدرسة.
•هل هناك ظاهرة معينة لاحظتموها على سلوك الأطفال؟
-كانت رسومات الأطفال في بداية الأنشطة رسوماً مستوحاة من أجواء الحرب (طائرات …بيوت مهدمة …أشلاء) وبعد اتخاذ الإجراءات والتعليمات أصبح الأطفال يرسمون الأشجار والأنهار ومظاهر الإبداع المستوحاة من جمال المظاهر الطبيعية.
•بم تتميز أنشطة المركز عن الأنشطة في التي يتلقاها الطفل بالمدارس؟
-المدارس تأخذ صفة الرسمية في العلاقة بين التلاميذ والمعلم، بينما في المركز العلاقة عبارة عن تعلم باستخدام الألعاب حيث يكون المنشط النفسي أقرب إلى التلميذ من المعلم في المدرسة ويقوم باللعب معه دون وجود سلطة.
وبعد الاطلاع على الأنشطة في هذه المراكز لابدَّ من التأكيد بضرورة هذه المراكز انطلاقاً من أهميتها الكبرى في ظلِّ المظاهر المؤلمة التي تمرُّ على الأطفال والتي تساهم هذه المراكز بالتخفيف من أضرارها بهدف تهيئة نفس الطفل لتقبل القيم الاجتماعية والأخلاق الكريمة، وذلك من خلال توفير البيئة المناسبة لتقبل هذه المبادئ، فلابدَّ من زيادة عدد المراكز وتوفير الكوادر المؤهلة للقيام بهذه المهام.