علي سندة |
كان يحمل السُّبحة بيده، ولا أدري إن كان يصلي على سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أو يستغفر الله وهو صائم في ساعات الهجير الحارة في تركيا، وبعد لحظات وأنا أنتظر دوري مع البقية أمام مكتب إدارة الهجرة سلم على صديق مبتسمًا قائلاً له: ” شو رجعت من الغدا؟ إن شاء الله ألف صحة وهنا، كيف كانت الشاورما معك؟” فبدل أن يتستر عليه ويأمره بالستر على الأقل أمامنا يسأله عن طعم الشاورما بملء فِيه، فيرد عليه الشاب المُفطر صاحب بنطال الموضة الممزقة بقوله: “الشاورما تركية مو زيادة؛ لأني مالها بهارات متل عنَّا.” ضحك صاحب السبحة وقال: “راح عليك الفطور عندي كنت عازمك” أجابه المفطر بمزاح: “عادي ما في مشكلة نأكل مرة أخرى مع الصائمين، الله يرحمنا.”
لكن القصة لم تنتهِ هنا، فبينما كانت السيجارة التي أشعلها ذلك السوري المفطر بعد وجبة الشاورما تنفث سمومها علينا، وكان طابور (الدور) قاطعًا الطريق أمام المارة، مرَّت سيدة تركية كبيرة عليها الوقار بادٍ، تمشي ببطء وقد أتعبها الصيام في الجو الحار فوق لباسها المحتشم، رمقت ذلك المُفطر كأنها تعنفه بشدة، ثم أشاحت النظر علينا نحن السوريين جميعًا، وأكملت طريقها بعد أن أُفسح لها. وقبل الانتقال إلى تحديد تبعيات تلك الحادثة قال سوري لآخر: “افتح الطريق لها، وانتبه ترى هي تركية بتعضك!” وهذا سوري آخر أحب أن يُسلي صيام البقية، أو ربما كان صائمًا!
ماتزال نظرات تلك السيدة تحرك فيني أسئلة عدة كأنها قالت الكثير الكثير، فهل كانت لعشوائية السوريين المعروفة في عدم احترام الدور والوقوف بشكل يقطع الطريق على المارة؟ وليت ذلك كان قصدها، أم لمشاهداتها حالات الإفطار بنسختها السورية، كحالة أبي الشاورما غير الطيبة، ومجموعة شباب سوريين أشعلوا سجائرهم ينتظرون دورهم في الظل وهم يتبادلون الضحك! أم لتكوينها نظرة سلبية عن السوريين كافة وتأثرها بما يُشاع عنهم؟! الله أعلم بمرادها لكن تلك السيدة التركية تعدُّ نموذجًا للأتراك الملتزمين الذين يقدسون الشعائر الدينية، وأما غير الملتزمين من الأتراك فالمجاهرة بالإفطار شيء أقل من عادي، لذا فإنني في هذا المقام أتكلم عن نظرة الأتراك الصائمين تجاه السوريين المجاهرين بإفطارهم ومدى تأثيرها سلبيًا على وجود السوريين في تركيا.
إن تلك السيدة التركية المُلتزمة حتمًا ستنقل بدورها ما شاهدته من أفعال تلك الفئة من السوريين إلى مجتمعها التركي، خاصة إذا علمنا أن الصيت السيء أسرع انتشارًا من الحسن، والتعميم داء موجود في كل المجتمعات، فيذهب الصالح مع الطالح ويصبح السوريون في تركيا مفطرين لا يقدسون شعائر الله ولا يحترمون شعور الأتراك الصائمين، وبذلك تُضاف شائنة أخرى إلى رصيد المتذمرين من الوجود السوري في تركيا سببها تصرف أرعن لا يمت إلى الدين بصلة ولا إلى الأخلاق والاحترام إن كان ذلك المُفطر لا يؤمن بالصيام.
فيا أيها المفطر المتعمد: إذا كنت لا تدري أن إفطار يوم في رمضان بشكل عمد لا يعادله صيام الدهر كله، وأنت ابن سورية عند الأتراك عامة، وابن شام شريف عند الملتزمين منهم، فاستتر بمعصيتك ولا تجاهر بها، فأنت في تركيا بفعلتك هذه تُسيء إلى كل السوريين وتزيد من تأليب الأتراك علينا وتُعطي بفعلتك مُسوغًا، حتى للملتزمين منهم والراضين بوجودك، للوقوف في الصف المقابل والمُطالبة بترحيلك واستخدامك ورقةً كما جرت العادة إبَّان كل جولة انتخابية أو حدث ما.