يبدو إيقاع السياط هادئاً على الآذان والمشاعر والأحاسيس، صار ترفاً أن تعدّ سياط المعذبين، وتتألم لتحوِّل لون جلودهم من الزرقة إلى البنفسجي إلى الأسود أحياناً، لا بأس أن تشتم جلادهم، وتشتم نفسك وأنت لا تقدر على شيء، ثم تتابع حياتك، وتنسى عذاباتهم، وقد تُصالح جلادهم.
لا بأس فالسياط هي أقدم وسائل التعذيب وأخفها على الإطلاق، ومن عاش حرباً بحجم حربك لن يعبأ لبعض السياط التي تسلخ الجلود أحياناً، لكن ماذا عن الكي بالنار، فقء عين واحدة بمسمار ينزع من الحائط ثم غرزه بالفخذ أو البطن أو أعلى الكتف، قلع تسعة أظافر فقط، وترك العاشر لحك الألم فوق الجلد المتفسخ من آثار الحروق والخرش بشفرات الحلاقةـ أو سكب زيت مغلي على مؤخرة معتقل يرفض الاعتراف بأنه خان أصنام الوطن وتآمر على الآلهة.
ربما سيستفزك صعق بالكهرباء في مناطق شديدة الحساسية في جسد مشبوح على طاولة من الدبابيس الصغيرة، ربما ستزعجك رائحة الأجساد المتعفنة أو المحروقة أو التي هدّها الضرب بمقبض بارودة حديدي، أو التي انتصبت فوق خازوق من الأمس تنتظر موتها، ربما سيؤلمك رؤية إنسان يسلخ حيا، ويبقى حياً إلى أن تلتئم مواضع السلخ منه وهو يعاني عذابها وألمها كل يوم.
ربما سيكون الطعن مرات عديدة حتى الموت، أو في أماكن لا تسبب الموت من جلاد محترف هو الأكثر ألماً، أو أن تجلس فوق كرسيٍ حديدي وتُقيد إليه وتُشوى على شمعة عيد ميلاد رئيس السجن الذي يصرّ ألا يفرح بإطفائها قبل أن تذيب الشحم فوق عظامك، ربما يكون الوقوف لأيام دون قدرة عل الجلوس وأنت مقيد إلى جانب مدفأة، أو أن تعلق من قدميك كالوطاويط هو ما سيصيبك بدوار كبير وأنت تحاول تذكر أسماء من أخفتهم الزنازين بقيعانها المظلمة.
تذكر وأنت تحاور أو تفاوض أو تسامح أو تتخلى عن مكانك في المعركة القائمة كلّ هؤلاء، تذكر أن إنسانيتك لن تغادر معك، ولن تفاوض معك، ولن تعفو عمَّن انتهك كل معانيها دفعة واحدة، العفو عن القتلة والمجرمين جريمة أخرى بحجم جريمتهم، والاتكاء جانباً في حرب هم أحد طرفيها جريمة ثالثة أنت ضحيتها.
المدير العام | أحمد وديع العبسي