علينا أن نعي أنَّ تركيا هي دولة جارة، وأنَّ أيَّ انجرار للمخاطر سيؤثر عليها بشكل كبير، خاصة وهي محاطة بكيانات معادية، وأنَّ أيَّ مغامرة غير محسوبة قد تودي بجميع ما حققه الحزب الحاكم إلى التهلكة، غير ذلك فتركيا دولة لا تتحرك مطلقاً خارج الإرادة الدولية، وتحاول تأمين مصالحها بأقل الخسائر، وهو حقٌ مشروعٌ لكلِّ دولة، وبالنسبة إليها الاستقرار على حدودها أهم من الوفاء بمتطلبات خطاب أصبح يؤرق الناخب التركي، ويقضُّ مضجعه، ويقف في طريق رزقه، وأوراق المنافسين على صوت هذا الناخب بدأت تصبح أكثر فاعلية، وتهدد بقاء الحزب في الحكم إذا ما دخل أي مغامرة غير محسوبة.
الاستجابة كانت دائماً للناخبين وليس للمهاجرين، وليس صواباً إنقاذ الآخرين على حساب تورط تركيا كما يرى الأتراك، والتخلي عن الخطوط الحمراء سهل جداً من أجل الحفاظ على الدولة في مواجهة أعدائها، ومع كلِّ ذلك ما يزال الموقف التركي هو الأقوى في الانحياز للثورة، وما تحملته تركيا في هذا الصدد إيفاءً لقيمها اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً كان من السهل جداً تخطيه لو تفاهمت تركيا مع نظام الأسد على حلٍّ سريع، خاصة في المسألة الكردية.
لا يرى الأتراك أبداً أنَّ التحالف مع روسيا وإيران ربَّما يضر الثورة السورية، لأَّنهم يتجهون إلى الحل، وليس إلى النصر، فالنصر قيمة غير متحققة مع تشرذم القوى السورية وارتهانها لمشاريع عديدة داخلية وخارجية أحدها ربَّما المشروع التركي، الذي من المفترض كما يعتقد الأتراك أن يكون الأهم بالنسبة إلى السوريين، لأنَّه يرتبط بالمصير المشترك، لكن هذا لا يبدو على المتحكمين بالقرار السوري، ولا على العسكريين الذين يتلقون دعماً من مختلف الدول على الشريط الحدودي التركي، فبعض هذه الدول والكيانات أعداء معلنين للدولة التركية.
فعدم إبصار جميع الحقائق المتعلقة بتباينات الخطاب والموقف التركي سيؤدي بنا إلى تخوين هذا الحليف فقط لأنَّه لا يعمل لصالحنا، كأنَّه بيدق في المعركة السورية.
لقد لعب التجييش العاطفي الساخر اللاعاقل دوراً كبيراً في خلق فجوة بين تركيا والثوار، ازدادت مع حوادث القتل المتكرر على الحدود.
أمَّا قطر فقد كان موقفها على قدر قدراتها، لم يتوقع أحد منها الكثير، ولم يبرز لها دور رئيسي سوى في اتفاقية المدن الأربعة، التي صدّرها الخطاب الشعبي كخيانة عظمى، وبيع من لا يملك للعدو من أجل مصالحه الخاصة، المهم جداً هنا وبعيداً عن الوقوع في فخ التبرير أنَّ العملية السياسية لا تحدث من قبل طرف واحد، وأنَّ السوريين على الأرض كانوا قد يضطرون لهذا التخلي في وقت ما، وأنَّ صمت الشركاء في الداخل وارتهانهم لمشاريعهم الخاصة أيضاً أسهم بشكل كبير في إتمام هذه الصفقة، لا ننكر أنَّ قطر استطاعت أن تكون مقابل مالها جزءاً من هذه الصفقة، لتحقيق مصلحة خاصة، لكن ذلك كان مقابل المال الذي دفعته، وليس مقابل الأرض التي قبض ثمنها أطراف أخرى من جهتي الصراع.
المدير العام | أحمد وديع العبسي