منيرة بالوش |
لن يتسنى للطفل (سعد الحراكي) ١١ عامًا، أن يشرب من مياه الخزان الذي ملأه بنفسه بعد اليوم، لسقوطه من أعلى سطح منزله إلى الأرض أثناء تعبئته الخزان من مياه الصهريج الذي بات حلاً اضطرارياً لغالبية الأسر في حصولها على مياه الشرب.
قضى “سعد” من قرية القينة في شمال جسر الشغور، هذه المرة ليس بشظية أو قذيفة، إنما كان ضحية لأبرز المشكلات التي أفرزتها الحرب أيضًا، ألا وهي تدمير شبكات المياه والبنية التحتية للمناطق، أو إحداث أضرار كبيرة تجعلها تخرج عن الخدمة.
تُعدُّ مشكلة المياه في محافظة إدلب من المشكلات الأساسية التي تواجه السكان وتضيق عليهم، فهي عبء اقتصادي يطال جيبتهم بشكل دوري متكرر، في حال لم تصل إليهم المياه الرئيسة عبر شبكات المياه المخصصة، إما لعطل أو ضعف في الضخ، ليصل سعر “الألف ليتر” من المياه إلى ألف ليرة قابلة للزيادة مع ارتفاع الدولار والمازوت، في حين تحتاج العائلة وسطياً لشراء المياه خمس أو ست مرات شهرياً بمبلغ 600 ليرة ثمن المياه فقط.
لتصبح مياه “الصهاريج” التي يحصل عليها السكان عبر شرائها من الآبار الجوفية القريبة من المنطقة حلّاً لقلة المياه الحكومية، حيث يعتمد السكان في حصولهم على مياه الشرب على مشروعي “السيجر والعرشاني” القديم والجديد، وتغذي بعض المناهل الخاصة جزءًا من احتياجات السكان.
وحسب تقرير عن المياه في محافظة إدلب، نشر في موقع “فوكس حلب” مؤخرًا، فإن مشروع سيجر والعرشاني يعمل بنسبة 28٪ من طاقته ويتم تشغيله عبر مولدات الديزل ويضخ 800م مكعب /سا.
وفي حين توقف المشروع لعطل ما، ويتم العمل على المشروع القديم بطاقة 300م مكعب /سا بطاقة تصل إلى 50 ٪ من المشروع الجديد.
ويتم ضخ المياه إلى داخل المدينة عن طريق ثلاث محطات “محطة شارع الثلاثين، ومحطة شعيب، ومحطة الخدمات الفنية” حيث تعمل تلك المحطات بطاقتها القصوى، وتصل الطاقة الإنتاجية لهذه المحطات إلى ٢٣٠ م3/سا
ولكن مع الكثافة السكانية المرتفعة في مدينة إدلب، فإن هذه المشاريع لا تغطي حاجة جميع السكان، وبالتالي لا غنى عن مياه الصهاريج التي لا تخضع للمراقبة كما قال ” أحمد” من سكان حي الثورة، الذي بدوره يفضل أن يستعملها في الغسيل والحمام وحاجات المنزل ولا يعتمد عليها بالشرب، بل يفضل شراء عبوات المياه البلاستيكية للشرب.
أما عن مواعيد ضخ المياه فإنها تتزامن مع موعد تشغيل الأمبيرات الكهربائية، وبالتالي تُحصر في ثلاث ساعات، وهي مدة قليلة جداً كما تراها السيدة “وفاء ” من سكان (حي الجامعة) إذ لا تكاد تكفيها لملء الخزان، والأواني الفارغة وغسيل الملابس وحمام الأطفال وغيرها من الأعمال التي تخبئها طيلة الأسبوع إلى هذا اليوم، وبالتالي ستشتري في منتصف الأسبوع من مياه الصهاريج حتى لا تنقطع، لتتكلف مبلغاً إضافيًا على مصروف المنزل.
يتم الضخ كل ثماني أيام تقريباً على حي معين من أحياء المدينة، لكن ضعف الضخ وقلة ساعاته أو نتيجة عطل ما في أحد المضخات، فإن ذلك يحول دون الوصول إلى بعض المنازل ولاسيما في الطوابق العليا، كأمثال حيي (الضبيط والثورة) المعروفان بأبنيتهما العالية، فتصل المياه إلى الطوابق السفلية منها عن طريق “السنطرفيش” وتُحرم الطوابق العليا من المياه.
“محمد ياسين ” من سكان حي الناعورة يقول: “إنه يدفع فاتورة المياه التي أضيفت على فاتورة الهاتف بمعدل “ألف ليرة” كل شهرين، رغم أن المياه لاتصل إليه، ويتساءل لماذا يأخذون ضريبة مع أن منظمة (غول) تدعم مشروع المياه وتغطي نفقاته، ليتفاجأ فيما بعد أنها تحولت” لضريبة خدمية “بدلاً عن المياه دون معرفة ماهي الخدمة المقدمة للسكان ؟” مع أن الكثير ليس لديهم هاتف وتصلهم المياه دون دفع، فيما يدفع هو دون أن تصله المياه.
تُعدُّ مياه مدينة إدلب أكثر نقاوة من مياه الريف، وهي مراقبة من قبل المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي، إلا أن مشكلة وصول المياه إلى كافة المنازل تبقى من المشكلات المفتوحة التي يصعب حصرها وحلها خارج الإمكانيات المتواضعة الموجودة في المدينة.