عبد العزيز عباسي |
يقول نزار قباني:
لو قرأنا التاريخ ما ضاعت القدس وما ضاعت من قبلها الحمراء
الأندلس ذلك الفردوس المفقود والجنة التي غادرها أهلها، فكتب عنها المؤرخون والأدباء الكثير، ورواية ثلاثية غرناطة للكاتبة المصرية (رضوى عاشور) تُلخص فترة سقوط غرناطة بيد الإسبان بعد توقيع معاهدة بين أبي عبد الله الصغير آخر ملوك غرناطة وفرديناند وإيزابيلا ملكا قشتالة وأراجون.
الكاتبة المصرية رضوى عاشور هي زوجة الأديب الفلسطيني مريد البرغوثي ووالدة الشاعر تميم البرغوثي.
جاءت الرواية بعد رؤيا للكاتبة في منامها لامرأة، فقبل نومها شاهدت عبر التلفزيون قصف القوات الأمريكية لبغداد، تقول: “استبد بي الخوف، فهل هو الموت الوشيك؟!”
تقع الرواية في ثلاثة أقسام، القسم الأول: غرناطة، والقسم الثاني: مريمة، والقسم الثالث: الرحيل.
تدور أحداثها ضمن معاهدة التنازل عن غرناطة وحرق الكتب وثورتي البيازيين الأولى والثانية، والتشتت الجماعي لأهالي غرناطة والترحيل النهائي لعرب الأندلس.
من ميزات الرواية، وقد تكون إحدى العيوب في الوقت نفسه، تركيز الكاتبة على الشخصيات البسيطة وليست الشخصيات السياسية؛ لأن مصيرها مشهور، تقول الكاتبة: “لم يكن شاغلي الكبراء والأمراء أو البارز من الشخصيات التي سجل التاريخ حكايتها، بل شغلني العاديون من الناس.” وهذا ما قد يشعر القارئ بالملل؛ لأن الأحداث بسيطة غير مشوقة، وقد اتخذت الكاتبة لعرض أحداث هذه الرواية شخصيات حقيقية وأخرى خيالية، ومن أهم هذه الشخصيات شخصية (أبي جعفر الوراق، وزوجه أم جعفر، وكنتها زينب أم حسن، والحفيدين حسن سليمة، ومساعدا أبي جعفر سعد المالقي الذي تزوج سليمة أم عائشة ونعيم، وحسن وزوجته مريمة التي أنجبت إلى جانب ابنهما هشام أبي علي أربع بنات).
فقد اهتمت الكاتبة بالتفاصيل الحياتية البسيطة لأهل غرناطة عوضاً عن التركيز على الشخصيات السياسية، وتحكي قصة تبديل أسماء الحارات والأزقة والشوارع والجوامع بلغةٍ جميلةٍ جمال غرناطة.
في غرناطة كل شيءٍ أبدل من الأسماء العربية إلى الإسبانية، وحتى العربية أصبح التحدث بها يُعدّ خطراً كبيراً يسبب لك الوقوع في قبضة جنود قشتالة.
تتشابك الأحداث في الرواية بهدوء شديد يهدف إلى تصوير حياة أهل غرناطة بعد توقيع معاهدة التنازل، فتنقلب الأمور رأسًا على عقب، وهنا يحاول أبو جعفر تعليم حفيدته سلمى اللغة العربية رغم معرفته أنّ اللغة القشتالية قادمة لا محالة،
فأبو جعفر شخص يمثل الموريسكيين الذين حاولوا الحفاظ على اللغة والهوية العربية ورفض الرحيل عن غرناطة وفضّل الموت بها على تركها رغم كل محاولات فرديناند وإيزابيلا طمس اللغة والثقافة والهوية العربية.
يصارع أبو جعفر الوراق ويعاني للمحافظة على ما تبقّى من الكتب التي أخذت منه عمره وشبابه وكانت مصدر قوته.
الكاتبة رضوى عاشور تصوّر عجلة الزمن وكيف دارت الأيام فانقلبت على أهل غرناطة، فأبو جعفر مثلاً عرف الهجرة والنزوح وذاق طعمهما، وبات يُحسّ بمدى فظاعة الحرب.
يطارد الموتُ عائلةَ أبي جعفر، فبعد موت أبي جعفر يموت سعدٌ كمداً بعد حرق زوجته سليمة بتهمة الكفر التي تشبه كثيراً تهمةَ إضعاف الشعور الوطني أو الخيانة أو العمالة التي تُكال لأيِّ شخصٍ يطالب بحقوقه أو يقول الحقيقة في كل مكان وزمان.
لم يقف أهل غرناطةَ مكتوفي الأيدي، بل حاولوا الثورة مرتين، الأولى: اسمها ثورة البيازيين، والأخرى: اسمها ثورة البشرات، تفرح أهالي غرناطة بعد رحيلهم الأخير عنها حين يحقق الثوار أيّ انتصارٍ على جنود قشتالة ولسان حالهم
يقول: لا غالب إلا الله، وإنّ الله يُمهِل ولا يُهمِل، يسافرُ علي آخر سلالة أبي جعفر الوراق لتعليم اللغة العربية سراً، ومن ثم يزور مكة المكرمة لتنعم روحه بالسلام وتتخلص من عذاباتها.
ويبقى السؤال: هل يعيد التاريخ نفسه كما يقول ابن خلدون؟ أم تستطيع الأجيال القادمة أن تسحب المستبد من رجليه كما يقول نزار قباني؟!