بقلم نور العليالطفل هو النعمة التي رزقنا الله إيَّاها، هو أملنا وأمل بلدنا المنتظر وفجرنا المرتقب، ما نزرعه فيه اليوم يحصده المجتمع غدا، وما نربيه عليه يساهم في تكوين شخصياته وتشكيل ملامحه النفسية والسلوكية. فالأبناء يولدون صفحة بيضاء ينقشها الآباء والأمهات، ثمَّ يتعلمون مجموعة من الأشياء التي يكوِّنون منها لغة يعرفون بها العالم الخارجي، ثمَّ ما يلبث الأبناء حتى يكتشفوا أنَّ الآخرين يتكلمون بلغة مختلفة، ولا نعني باللغة اللكنة أو اللهجة، إنَّما نعني بها ما تعلموه من مفاهيم وقيم وأخلاق وعادات وطبائع وأساليب يتعاملون بها مع الآخرين.ومن أعظم ما أمرنا الله به تجاه نعمة أولادنا أن نقوم بتربيتهم تربية صالحة بما يُصلح لهم أمور دنياهم وآخرتهم، ولذا فإننا حينما نتحدث عن تربية الأبناء، فإنَّما نتحدث عن أمانة عظيمة ومسؤولية جسيمة.مخطئ من يعتقد أنَّ التربية تبدأ بعد سن الخامسة، فبدايتها قبل ولادته باختيار زوجة صالحة تقية تصلح أن تكون أمًّا له، واختيار اسم جميل، وأن يجعل الأب من نفسه رجلا صالحا قدوة له، وأن تجعل الأمُّ من نفسها معلمة له، وبعد هذه القواعد يكون الانطلاق.قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].وانطلاقا من هذا الأمر الإلهي يحتَّم على كل أب وأمٍّ أن يبينوا لأولادهم الحق وفوائده وضرورة اتباعه، والباطل وأضراره وضرورة اجتنابه، وأن يزرعوا فيهم أركان الإسلام والإيمان، وأن يغرسوا في نفوسهم الإحسان، وأن ينثروا بقلوبهم محبة الله وعظمة نعمه الظاهرة والباطنة، نربيهم على حبِّ محمد عليه الصلاة والسلام، وأنَّه جاء لينشر تعاليم الإسلام وهديه، جاء متمِّما للأخلاق الفاضلة الحسنة، يُتحتم علينا أن نعلِّم أولادنا أنَّ الله لم يخلقنا عبثا في هذه الحياة، وأنَّنا خلفاء له على أرضه لإصلاحها والنهوض بها، وأن يكون لنا رسالة سنسأل عنها يوم القيامة.إذا أردنا لأنفسنا عزًّا ومجدًا وسؤددًا علينا أن نعود إلى جوهر ديننا، علينا أن نربي الأجيال المسلمة على نمط من الرجولة الحقة، والإنسانية الكريمة، النمط الذي شهدناه في المسلمين الأوائل حيث كانوا قوة في العقل، وقوة في الروح، وقوة في الخلق، وقوة في الجسم.