غسان الجمعة
تستمر الولايات المتحدة بتزويد قسد بشحنات الأسلحة في ظل مناورة للإدارة الأمريكية تجاه تركيا، ففي حين تسعى الأخيرة لإزالة الخطر الإرهابي من على حدودها تحاول واشنطن كبح جماح المطالب التركية إلى مناطق آمنة وأخرى عازلة في ظل تنامي القوة الاقتصادية والعسكرية للميليشيات الانفصالية شرق الفرات.
لقد تحولت قسد بعد القضاء على داعش إلى جوكر أمريكي من الممكن أن تحول من خلاله أمريكا أي خسارة في الشرق الأوسط إلى ربح وخصوصاً في العراق وسورية، فدعم واشنطن للميليشيات ليس الهدف منه القضاء على داعش، إنما الحفاظ على مصالحها في ظل الاجتياح الإيراني للمنطقة بعيداً عن التفاهمات التي ترغب بها الولايات المتحدة التي ليست ضدها، فهم بحاجة إلى شرطي جديد للمنطقة لكن بالمقاييس والشروط الأمريكية.
فالدور الإيراني في العراق وسورية هو في أوج قوته مع أن الولايات المتحدة هي صاحبة القدم الأولى في غزو العراق وكذلك الأمر في سورية، فالنظام السوري لا يدخر وسيلة في إرضاء الإيرانيين الذين ساندوه لسنوات قبل التدخل الروسي، كما أن الخلايا الإيرانية في الخليج العربي في حال الصدام هي أكبر بكثير من حيث القوة والتأثير في تلك المنطقة، ومن هنا أسست الولايات المتحدة لنفسها منطقة نفوذ خاصة خالية من النفوذ الإيراني المعتمد على الشحذ الطائفي والإيديولوجي الديني ليكون نقطة انطلاق ومواجهة بعيدة عن حلفائها ومصالحها في الخليج وإسرائيل، وهو ما تحاول طهران تذكير الولايات المتحدة به مراراً بأن قواعدها ومصالحها لن تسلم من الهجوم فيما لو فكرت بمهاجمة إيران، وهو ما يفسر تسارع العجلة الإيرانية في تشييع منطقة دير الزور والمناطق المحيطة وشراء ولاءات شيوخ العشائر والقبائل، وقد كشفت الأقمار الصناعية تأسيسها لقاعدة عسكرية كبيرة في منطقة البوكمال في رسالة إيرانية واضحة بأننا أمامكم في كل منطقة.
وفي شق آخر تسعى الولايات المتحدة إلى جعل قسد قنبلة موقوتة تحت الأقدام التركية في المنطقة، وتحاول التقليل من دورها كرأس حربة في قوات الناتو من خلال توسعة قواعدها في شرق الفرات وزيادة دعمها للميليشيات الانفصالية بوتيرة أكبر بعد القضاء على التنظيم بخلاف ما تبرر دعمها المستمر لقسد، وهو ما تدركه الإدارة التركية ضمناً وتضمره الولايات المتحدة بخلاف الظاهر، في حين الوقائع على الأرض مكشوفة لكليهما، غير أن حفظ ماء الوجه والمصالح بين الجانبين دفع بهما للعبث بالمسميات وأمام الكاميرات الأسبوع الفائت بأول دورية مشتركة فيما يسمى بالمنطقة الآمنة.
الدور الأمريكي الذي يريده صقور الكونغرس في شرق الفرات هو دور من يطرح المزاد ويستقبل العطاء، لذلك لن تفرط الولايات المتحدة بقسد وستستمر بدعمها لحين رضوخ الإيرانيين للجلوس أمامهم والتفاوض على مناطق النفوذ والمصالح، وكذلك الروس الذين ربحوا الأسد وخسروا نفطه.
ومن جانب آخر تسعى الولايات المتحدة للضغط التدريجي على الإدارة التركية لتغير سياستها في الشرق الأوسط وكذلك العدول عن سياسات التقارب مع روسيا بوتين الذي بات يشكل بالنسبة إليها محور تهديد من دولة تقع فيها العشرات من القواعد العسكرية لحلف الناتو. فهل تكون قسد القشة الأمريكية التي ستقصم ظهر البعير وتبعثر الأطماع وتكشف الأوراق؟!