لم يبرع نظام الأسد بشيء مثل ما يبرع بشيطنة ودعشنة معارضيه إذا استثنينا مهاراته في تدمير البشر والحجر (داعش الجديد) هذا ما وصف به فيصل المقداد نائب وزير خارجية الأسد ميليشيات (قسد) وذلك انطلاقا من القاعدة الحاكمة لهذا النظام “من ليس معي فهو إرهابي”، أو بعد انتهاء خدمات العميل يجب تصفيته.
وبغض النظر عن الإيدلوجيا والممارسات السياسية والعسكرية الشاذة عن تطلعات الشعب السوري التي تعتنقها وتمارسها (قسد) ذات الغالبية الكردية، وتلاقي مصالحها مع النظام مرات عديدة، فإن هذا التوصيف لمقداد قد سبقته تصريحات الأسد نفسه والتي خون فيها (قسد)
السؤال هنا: إن نظاماً يتسم بطابع الاحتفاظ بحق الرد، ولايملك شيء من السلطة على أراضيه كيف يجرؤ على تهديد ميليشيا تحظى بدعم أمريكي و أوروبي ورسي بشكل نسبي أيضاً؟
ما هو الشيء الذي يستند عليه النظام في تهديديه لدرجة تسمح له بأن يتعدى سقف أحلامه السياسية والعسكرية على أرض الواقع وفي لحظة اليقظة بعيداً عن أسبابه المعلنة التي تشبه محاضرة العاهرة بالشرف؟
ربما أول ما يدفعه إلى ذلك هو الحفاظ المصالح الروسية المتمثلة بشركات النفط والغاز الروسية والتي تريد إكمال ابتلاع حصتها من الجزيرة السورية الغنية بالموارد النفطية والتي تتمّم جغرافيتها من حقول النفط العراقية والتي استحوذت عليها شركات روسية في إقليم كردستان وتهدف بذلك إلى توحيد وربط منابع النفط في العراق وسوريا مع مصباتها على شواطئها في اللاذقية وطرطوس وتحت حماية قاعدتيها البحرية والجوية، وقطع الطريق على الولايات المتحدة التي تتخذ من (قسد) ستاراً لتواجدها الاقتصادي.
أما المحرك الثاني للسانه الأَلْثَغ فهو إيران، التي يجمعها مع روسيا هدف تقويض النفوذ الأمريكي في المنطقة لصالح بسط نفوذهما و أضف إلى ذلك إكمال طوق سليماني حول المناطق الكردية والذي بدأه بالسيطرة على كركوك و يستمر به الآن على الحدود مع سوريا بل وتجاوزه إلى حد إرساله أرتالاً عسكرية من الحشد الشيعي العراقي والحرس الثوري الايراني إلى دير الزور حسب ما كشفت وكالة الأناضول التركية.
كما أن طهران تريد أن تزيد من مساحة نفوذها الجيوسياسي المجاور لتركيا تحسباً لأي تغيّر في سياسة انقرة تجاهها مستقبلاً.
بالنسبة لنظام الأسد الذي يَفترض في الغالب أن هذه المنطقة هي خزانه الاقتصادي والبشري فهو يطمح ليكمل حلقة النهب والسيطرة الكاملة على الأرض السورية ويستمر بدعم آلة الحرب التي تضمن له إعادة الأمور إلى قبضته دون أي شركاء محليين من الممكن أن يهددوا مستقبله.
وعندما ما نتناول (قسد) في أي تحليل فأننا نبحث الخطوط الحمراء لتركيا ومن هذه الزاوية تخطو كل من روسيا وإيران خطوة إضافية نحو دائرة الثقة التركية المؤثرة والمتأثرة بالملف السوري وهي رسالة طمأنة من النظام بشكل غير مباشر بإمكانية فتح قنوات التعاون من أجل التخلص من العدو المشترك لثلاثة دول إقليمية هي تركيا وسوريا وإيران.
إن منطقة الجزيرة السورية في القريب ستكون أمام خيارين، إذا ما افترضنا أن التعاون مع تركيا مستبعد في الوقت الحالي، أمّا إبرام صفقة روسية أمريكية على غرار ما حصل بالجنوب السوري تضمن فيها روسيا مصالح الإيرانيين والأسد بينما تضمن فيها أمريكا مصالح (قسد) أو أن حرباً بالوكالة ستشتعل بين القطبين سرعان ما ستسقط عنها ورقة التوت الأخيرة وتتحول إلى صدام مباشر بين الميليشيات الايرانية والروسية من جهة والقواعد الأمريكية والميليشيات الكردية من جهة أخرى.