بقلم : رئيس التحرير لا تستطيعُ فاطمةُ أنْ تنحيَ الواقعَ الذي تعيشه جانباً ، فهي تطعَّم كلامها بمصطلحات الحروب و المحاربين ، و القتال و المقاتلين ، و لا يزالُ لسانها لهجاً يذكر الجيش الحر والكتائب المجاهدة ، إنَّها تناقش وتجادل ، تحاجج وتدافع ، و ربما غضبت غضباً كاد ينزع عنها هدوءها ورزانتها .كلما دخلتُ غرفةَ الصف السادس وجدتُ عندها قضيةً من قضايا الثورة تعالجها والأبصار تحدقُ بها ، والأسماعُ ترهف إليها ، والقلوبُ تهفو إلى شائق حديثها ، تبرق عيناها ذكاءً وجرأةً ، وتعقدُ حاجبيها كبرياءً وأنفةً ، وتحركُ يديَها رصانةً وثقةً وتتحدثُ بصوتٍ ناعمٍ يتناثرُ منه الشرر المحرق ، يريد أن يلتهمَ كلّ ما تبقى من آثار التأييد أو التشبيح . أردت أنْ أسألها : أنّى لك هذا يا فاطمة ؟وكلّما كلفتها بكتابة كلمةٍ أو جملةٍ أو موضوعٍ وجدتْ في الثورة مرادها ، واستخرجت من أحداث الثورة المواضيع التي تريد ، وانتقت من معجم الثورة الألفاظ و المفردات التي لا تفتأ تكررها ، فحقل الثورة مزروعٌ فيها ، تجني منه ، ويأكل من عقلها و فكرها .إنْ قلتُ أعطني جملةً فيها حرفٌ مشبّهٌ بالفعل ، قالت : إنّ بشاراً ساقط ، وإنّ الثورة منتصرةٌ . وإنْ قلتُ هاتي جملةً يكون فيها المفعول به ضميراً متصلاً، قالت :جمعتنا الثورة على هدفٍ واحدٍ . وإنْ قلتُ اكتبي موضوعاً عن شخصيةٍ تعجبك في محيطك الاجتماعي سردتْ قصة ابن خالها الذي استُشهد في الجامع الأموي .في إحدى حصص التعبير الوظيفي ، عرّفتُ الطلاب إلى طريقة كتابة التقرير ، وعرضتُ عليهم نموذجاً يتحدث عن تجميل حيٍّ شعبيًّ ، طلبتُ منهم أنْ يكتبوا تقريراً ، وفي اليوم التالي جاءتْ فاطمةُ بتقريرها ._ تفضلي يا فاطم ._ عنوان تقريري : تجميل حي شعبي .أشرقتْ أساريرُ وجهي ، وأصابتني خفةُ الفرح ، وصحتُ في نفسي الله أكبر ، وهيأتها لسماع فاطمة وهي تتحدث عن موضوعٍ لا صلةَ له بالثورة . الحمدُ لله أنّها خرجتْ من أجواء العنف والقتل والموت والدماء ، فهي طفلةٌ يجب أنْ تعيشَ طفولتها بعيدةً عن الهمّ والغمّ ._ تفضلي يا فاطم ._ ( تجميل حي شعبي )قامتْ كتائبُ الحي بمشاركة مجموعةٍ من الرجال المجاهدين المتطوعين بتنظيف حي الكلّاسة وبستان القصر من الشبّيحة صباح يوم الجمعة . وزّع رئيس الكتائب الأسلحة على المشاركين المجاهدين ، فقاموا بقتل أكبر عددٍ من الشبيحة ، وكانوا متقنين عملهم ، ومجاهدين بأنفسهم ، فشكراً للمجاهدين الذين طهّروا الحي من الشبّيحة ، لأنّهم كانوا يسفكون الدّماء . وبإذن الله سوف تنظّف المناطق كلّها من الشبّيحة ومن المجموعات المجرمة التابعة للنظام ، ومن أهالي جماعة ( الله يظهر الحق ) .أبعدَ كلِّ هذه الدماء التي سفكها النظام لم يظهر الحق ؟!فاطمةُ طالبةٌ من بين آلافِ الطّلاب في سوريّة ، فماذا نفعل ؟