في أحد البرامج الإذاعية يطل علينا الممثل عباس النوري مخاطباً متابعيه أن صلاح الدين كذبة كبيرة عشناها ولم نعرف حقيقته، وأنه استُحضر في تراثنا بسبب عقلية الأخوان والجماعات الإسلامية التي تبحث عن المخلص، فصلاح الدين لم يحرر القدس، وإنما دخلها هدنة، ودفع مقابلها تسليم الساحل الشامي كاملاً للصليبين، وأنه وعمه أسد الدين شيركوه كرديين مجرمين فارين من وجه العدالة العباسية في زمن المتوكل، وأن صلاح الدين هو من أعاد اليهود إلى القدس .. ويتابع في ذكر جرائم وخيانات صلاح الدين للدولة الفاطمية والزنكية لكي يصل إلى العرش في ظل عدم استجابته للدفاع عن الخلافة العباسية في وجه الفرنح.
بغض النظر عن الكمية الكبيرة من الأخطاء التاريخية والأباطيل والخلط التاريخي الذي يقدمه الممثل بوصفه قارئاً للتاريخ، ولا أدري كمية القراءة الضحلة التي من الممكن أن تجلب معها هذه الرواية التاريخية! فإن العمل الدؤوب من أجل طمس الهوية التاريخية لسورية واستبدالها بهوية أخرى تناسب الاستبداد وتجعل الشعب أكثر قبولاً للذل والاستكانة واعتبار أبطاله التاريخيين خونة ومرتزقة، وتجعل للأسرة الحاكمة أحقية تاريخية في حكم البلاد، هذا العمل يسخر له النظام كل ما لديه من طبول وأبواق يفرغها حتى من بقايا مضامينها الجيدة من أجل إعادة تدجين الشعب.
يمكننا أن نتلمس آثار انتفاضة الحرية التي عصفت بالنظام وأركانه لكي يصل إلى هذا المستوى الرديء من الخطاب، فهو يدرك تماماً أن النصر لا يكون في جبهات القتال فقط، فمهمة تغيير العقلية السورية التي تأثرت بالحرية وأصبحت تهدد وجوده بشكل دائم هي ميدان المعركة الكبرى التي يخوضها، ويعمل من خلالها على إعادة تطويع السوريين ولعن كل ما يتعلق بالثورة والحرية والكرامة والتحرر على أنه منتجات للخيانة التاريخية لا ينبغي استحضارها، وأن العز الحقيقي للشعب هو في الهتاف كالقطيع خلف قيادته التي لم تصل إلى العرش بالسيناريو نفسه الذي يرويه الممثل النوري على خلاف بين الحقيقة والباطل!!!!
نحن لا نخشى على التاريخ ولا على الحقائق التاريخية، فذاكرة الشعوب ليست عرضة لهذا النوع من التشويه الرخيص، ولكن يجب أن نعي أي معركة علينا أن نكون جاهزين لخوضها في الفترة المقبلة، لأن الرهان هو على الأجيال القادمة، وإن زعزعة الهوية قد لا يعني أننا سنخسرها، ولكن الانتماء للفراغ للحظة واحدة سيجعلنا عبيد لهذه اللحظة.
المدير العام | أحمد وديع العبسي