الشهيد محمود جوّاد
خلق الله تعالى الخلق من أصل واحد، وجعلهم يختلفون في أشكالهم وأحوالهم،فمنهم الغني ومنهم الفقير، ومنهم البخيل والكريم، والشاكر واللئيم ، ومنهم التقي العابد، ومنهم الفاجر الفاسد، ولكن هؤلاء جميعاً يتفقون في أنَّهم يسعون سعياً حثيثاً لتحصيل غاية واحدة، هي السعادة .
فالتاجر الذي يمضي نهاره في التجارة، والطالب الذي يقضي السنين بين المدارس والجامعات، والموظف الذي يبحث عن أرفع المرتبات، والرجل الذي يتزوج امرأة حسناء، أو يقتني منزلاً فاخراً، كل هؤلاء إنَّما يبحثون عن السعادة .
سعة الصدر، وراحة البال، وصفاء النفس،غايات تسعى النفوس لتحصيلها، فعجباً لهذه السعادة التي يكثر طلابها ويزدحم الناس في طريق الوصول إليها.أخي القارئ بعد أن وجدت نفسك بين هذه السطور،هل أنت في أُنس وفرح حقيقي ليس فيه تصنع ولا تظاهر ؟؟
سؤال سيعود بذاكرتك إلى الوراء، ويغوص في طيات أيامك الماضية !!
تملَّكتني أفكار شقية حينما كنت أبحث عن السعادة وغالباً هي قريبة مني، كما أبحث في كثير من الأحيان عن النظارة وهي فوق عينيّ، لكن أدركت لاحقاً أنّ السعادة ليست شيء يُبحث عنه، كالذهاب إلى السوق لاقتنائه من تاجر، وإنَّما شيء معنوي لا يُرى بالعين ولا يقاس بالكم ولا تحتويه الخزائن ولا يشترى بالمال.
السعادة يا صديقي ليست في سطوة الجاه ولا كثرة الولد ولا وفرة المال ولا نيل العلم المادي، وهي ليست هروب من واقع، وإنَّما تصدر من أعماق النفس ولا تستورد من خارجه، تنبعث من مزاجك وتفكيرك ونظرتك إلى أمور الحياة وطريقتك في مواجهة الأحداث وفي رضاك عن نصيبك في هذه الحياة…
السعادة فن الاستماع بما تملك، والتأثر بالجمال دون القبيح، والقدرة على كشف نواحي الجمال.
أنا وأنت وهو وهي… قد تتناوب علينا الفصول فتجد في حياة كلٍ منَّا مطرا ورعدا وريحا وأياما سوداء داكنة، تلقّينا صفعة قاصمة أو أكثر صنعت في نفوسنا كسوراً غير قابلة لأن تجبر، والحياة ليست إلا مدرسة، والأيام أعظم معلم، والليالي بحدِّ ذاتها تذيقنا مرارة الهم والتفكير، إنَّها الأيام، تحمل في طياتها دروس وعبر، علينا التعلم فقط، فلا أعتقد الواحد منَّا يملك مصباح علاء الدين السحري ليسير له الأمور وفق رغباته، ولا يمكن لأحد أن يطحن الطحين أو ينشر النشارة كذلك لأمور حدثت في الماضي، كلّ منا في مصيدة الأقدار، تأتينا الحياة تارة بالعنف والقسوة، فنهرب منها ونشتهي النوم خلفها، وندمع إمَّا بدموع أو بلا دموع، وتارة أخرى تأتينا بالتيسير والفرج الذي يدخل دون استئذان بعد أن كان على عتبة الدار.
أخي القارئ أنا مثلك تماماً ..أسافر مع الحياة لتدهشني بكثير من العظماء ذوي الأعمار المباركة الذين يمتلكون وعياً لدرجة أنَّ بإمكانهم سماع صوت الأيام رغم صخب الحياة وضجيجها ويدركون وشوشاتها، يتلقون المشاكل منها فيغوصون في أعماقها ويفتنونها فتصبح بين أيديهم هشة ضعيفة، وبالمقابل أرى البعض لا يدرك أنَّ المرّ سيمر، يملأ الدنيا بصراخه ولا يسمع رسائلها؛ لأنَّ صوت صراخه غالباً ما يكون أعلى، فيناطح الحياة ويجعل من الحزن ما يؤلم قلبه ويدمي فؤاده، وكأنَّ فاجعته قاصمة للظهر يخسر الكثير من همته ورونق عزيمته، وأعود بعد ذلك وأنا أكثر يقينا أنَّ كلَّ هموم الحياة لن تستطيع إغراق القلب مادامت لم تتسرب إلى داخله.
يا أصدقائي اقتحموا الحياة، ابحثوا عن ظروف تناسبكم، واصنعوها إن لم تجدوها، صححوا أخطاءكم بلا خجل، أعيدوا ترتيب حياتكم إذا ما اعتراها خلل أو فوضى، اصنعوا السعادة بأيديكم وامزجوها بأحلامكم ودعوها تنضج على مهل، انطلقوا إلى الأمام دائماً، أوقاتكم هي رأس مالكم الحقيقي، ولتكن أهدافكم نبيلة، وأحلامكم مضيئة، ولتكونوا مقاتلين من الطراز الفريد، فالعمر يمضي والحياة ثوانٍ، استمتعوا بحياتكم فهي ليست بروفة لحياة أخرى، وإنَّما حبلى دائماً، ليس لها موعد مخاض، تفاجئكم بسرور كملء الدنيا بعد ليلة حزينة، إنَّها حقيقة الأيام فرح بلا مقدمات، وحرب دون نذير سنعيشها بحلوها ومرّها.
محبة إنسان، مساعدة فقير، إسعاف جريح، إنهاض ساقط، إشباع جائع، إكساء العريان، الرحمة لمن يستحق الرحمة، التضحية من أجلهم، تعتبر أيضا منابع للسعادة، يقول(ايمرسون) ” السعادة عطر لا تستطيع أن تعطر به غيرك دون أن تنهال منه قطرات عليك” فانظر مليّاً لتلك الوجوه العابسة التي شكلت أزمة حزن في المجتمع لتعرف كم تحتاج لابتسامات صادقة لا سافرة، أمطر البهجة والفرح لنشر عدوى السعادة بين من حولك، الأمر لا يتطلب المال، ولا بذل الصعاب، ولا فعل المعجزات، فكن أنت… صانع وبائع السعاة.