محمد نعمة |
ربما لا توجد دولة تنطبق عليها البداهة القائلة بأن السياسية قول معاكس للفعل أكثر من الإمارات و تحديدًا في موقفها من ثورات الربيع العربي ككل، ومن ثورة الشعب السوري خاصة، الذي لم يعد يتفاجأ بأي موقف إماراتي يعارض مصالحه و طموحاته، مع أن الإمارات أعلنت سابقًا أنها سوف تدعم تلك التطلعات المشروعة وتقف معها، على لسان (عبد الله بن زايد) الوزير السابق للخارجية، وذلك بعد إعلان مجلس التعاون الخليجي في مارس 2012.
لقد كان للإمارات مصالح متناقضة في سورية، فهي من جهة تود دعم تغيير الحكم في سورية الحليف لإيران والعدو لها، ومن جهة أخرى لديها عدو مشترك مع النظام هو الإسلام السياسي الذي كان يطفو مع الأيام على الساحة العربية في بلدان الربيع العربي، مما جعلها تأخذ موقفًا مضادًا من الثورات وتدعم الأنظمة تارة والثورات المضادة تارة أخرى لاحقًا، باحثة لنفسها عن مكانة إقليمية عبر دولاراتها غير المتناهية، وليس ثمة وصفة لتحقيق مصالحها المتناقضة أفضل من ارتداء قناع الراعي المالي للأزمة الإنسانية السورية المتفاقمة، كما حاولت أن تصدر نفسها عبر مشاركتها في مؤتمرات المانحين لسورية مُعلنةً عن منح مليونية تصرف للمؤسسات ذات الشأن. منح لم يرَ منها الشعب السوري إلا صواريخ تساقطت عليه حصل النظام عليها من مصر بطلب إماراتي كما سُرب لاحقًا، حتى أن تلك الحيلة لم تسرِ أيضًا على منظمة العفو الدولية التي انتقدت الإمارات في المؤتمر الثاني في الكويت بوصفها دولة لم تفِ بتعهداتها المالية التي أعلنت عنها.
ثم استمرت الإمارات بسياسية الوجهين مُدعية أنها سياسية وسطية خلال عام 2014 الذي تنبأ فيه حاكم دبي محمد بن راشد بفقدان الأسد لسلطته لأول مرة، في حين قامت دولته بتصنيف أكثر من 20 فصيلًا عسكريًا من قوى الثورة والمعارضة على قائمة الإرهاب كان أشهرهم (لواء التوحيد، وأحرار الشام) في مقابل فصيل واحد ضمته القائمة كان يحارب إلى جانب الأسد هو لواء الفضل العباس الشيعي! بل وسمحت الإمارات للشركات السورية بالاستمرار في العمل على أرضها تحديدًا الفنية منها والرياضية، وحظرت على المعارضة القيام بأي نشاط على أراضيها كالتظاهرات، ورحَّلت عشرات السورين المقيمين بحجة التظاهر ضد الأسد أو حمل علم الثورة، في الوقت الذي منحت فيه الأمان لأنيسة أم الأسد وبشرى أخته التي حصلت مؤخرًا على الجنسية الإماراتية.
وفي العام 2015 تدخلت روسيا في الحرب إلى جانب الأسد، الأمر الذي استنكرته السعودية وقطر وأيدته الإمارات في أول موقف معلن خارج العباءة السعودية متذزعة بوجود عدو مشترك بينهما في سورية، ثم طار بن زايد ليكافئ بوتين بعقد صفقة بقيمة 7 مليارات دولار، بينما صرحت الإمارات أنها تشارك في غرفة عمليات الموك مدعية أنها دعمت الجبهة الجنوبية عبر الأردن، إلا أن الدعم كان يتجه لتيار (سورية الغد) الذي شكَّله (الجربا) مع قوته الخاصة المنضمة إلى (قسد) بإشراف الولايات المتحدة ضد (داعش).
وأخيرًا وجدت الإمارات الفرصة لحسم أمرها بعد حصار قطر 2017 وتفاقم الخلاف مع تركيا لإظهار دعمها للأسد عبر إعلانها مع البحرين في العام الماضي إعادة فتح سفاراتها في دمشق ومطالبة بعودة سورية إلى جامعة الدول العربية الأمر الذي كان سيتحقق بالتعاون مع مصر لولا الفيتو الأمريكي غير المعلن، دون تعليق جدي يذكر من السعودية المنشغلة في لملمة البيت اليمني والحرب في اليمن.
الأمر الذي انتهى بإعلان دبلوماسي الإمارات المكلف من دمشق أن الإمارات ترغب بالسلام في سورية تحت رعاية القيادة التي سمتها (حكيمة) ولا غرو، فالإمارات قد تكون معجبة حقًا بحكمة الأسد في إظهار الثورة السورية كإرهاب إسلامي سياسي يُخشى منه عربيًا ودوليًا وصمود نظامه خلال سنوات الأزمة الأمر الذي رأته منسجمًا مع سياساتها ضد الحلف التركي _ القطري، ضاربة بعرض الحائط عذابات الشعب السوري وتضحياته ومطالبه بالعدالة والحرية. إعلانٌ تزامن مع انهيار الليرة السورية في الأسبوع الفائت، مما يبشر بمرحلة جديدة في انهيار النظام التي تنتظرها الثورة، غير أن ذلك الإعلان بدا كقبلة حياة يبدو أنه حمل حقيبة دولارات أوقفت انهيار الليرة السورية.