د. وائل الشيخ أمين / على خطى التغيير
أبدأ بمثال من ثورتنا السورية
بعض الفصائل المقاتلة في سورية مصنفة على لائحة الإرهاب وقادتها مستهدفون بشكل علني وبسبب هذه الظروف القوية المفروضة فإن ثقافة السرية لديهم عالية .
في حين أن بعض الفصائل المقاتلة الأخرى البعيدة عن التصنيف وعن استهداف القادة، فترى لديهم ثقافة السرية غائبة تماماً .. فكل ظروف ولدت ثقافة وفقاً لها، فإذا تغيرت هذه الظروف ستتغير هذه الثقافة .
ففي مثالنا لو أنّ الفصائل الغير مصنفة تم تصنيفها فإنها ستمر بمرحلة استهداف القادة، ورويداً رويداً ستتغير ثقافتها، لتظهر ثقافة جديدة، هي ثقافة السرية.
وقد أشار إلى هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال لصحابته: “فو الله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم”.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم علم حال صحابته وهم يعيشون في حالة من الفقر والشدة فلم يكن يخشى عليهم استمرار ذلك عليهم لأن استمرار الظروف ذاتها لن يغيرهم، أما لو تغيرت الظروف بشكل قوي ففتحت عليهم الدنيا وخيراتها فإن الظروف الجديدة ربما تصنع ثقافة جديدة عند المسلمين وهي ثقافة الحرص والتنافس.
إذاً فالطريقة الأولى لتغير الثقافة: تكون بتغير الظروف الخارجية المفروضة .
معظم الشعوب تتغير بهذه الطريقة .
فالثقافة الأولى تشكلت نتيجة ظروف معينة فإذا تغيرت هذه الظروف بشكل حاد وأتت ظروف أخرى قوية فإن الظروف الجديدة ستشكل ثقافة أخرى جديدة.
وأي تغيير يأتي من الخارج يفرض فرضاً، ولو كان الذي يصنع لك هذه الظروف الخارجية هم أعداؤك فتأكد أنهم لن يصنعوا لك إلا ظروفاً تخلق ثقافة تؤذيك بدل أن تنفعك.
لنضرب على ذلك مثالاً مهماً من مخيمات اللاجئين ونطبق عليه كل ما ذكرناه في هذا المقال وسابقه .
كل من نزح من بيته وقريته ليعيش مع عائلته في خيمة قد تعرض بلا شك لتغير كبير وقاس في الظروف الخارجية المفروضة عليه. وحسبما ذكرناه فإن هذه الظروف ستخلق له ثقافة جديدة.
يأتي هنا دور القوى الخارجية المؤثرة والقادرة على التحكم بهذه الظروف فإذا قاموا بإعطاء هؤلاء اللاجئين سلات إغاثية وملابس وأدوية وإعانات مالية، فإن اللاجئين بعد فترة طويلة من هذا الحال سيعتادون على أن يكونوا عالة مستهلكين ينتظرون الآخرين ليساعدوهم.
بينما لو قامت القوى الخارجية المؤثرة بتشغيل هؤلاء اللاجئين في مشاريع وتوظيفهم في أعمال، أو أتاحوا لهم الفرصة ليقوموا هم بمبادرات عملية تدرّ أرباحاً مادية، فإن اللاجئين بعد فترة سيعتادون على أن يكونوا فاعلين منتجين متعففين.
ولذلك فإننا لو ارتضينا أن نكون في دائرة رد الفعل فسوف نكون عجينة يشكلها أعداؤنا كيف شاؤوا.
أنا هنا لا أتكلم فقط عن نصر عسكري أو هزيمة، بل أتكلم عن أنفسنا وعن أطفالنا وعن طرق تفكيرنا وعن اهتماماتنا.
ليس الأمر محصوراً بخسارة منطقة بل بخسارة ذاتنا، و بتدمير الجيل القادم
ما الحل إذاً؟
هنالك طريقة أخرى لتغيير الثقافة كما نريد نحن لا كما يريد أعداؤنا لنا أو كما تمضي الظروف بنا.