طبّق نظام الأسد عام 2018 سياسة التهجير التي بدأها قبل سنوات بدعم من حلفائه الروس والإيرانيين بأقسى صورها بحق المناطق التي كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية.
ولم تكن سنة 2018 البداية لعمليات التهجير وتراجع نفوذ المعارضة لحساب قوات الأسد وداعميه، حيث سبقها في كانون الأول من عام 2016 عملية تهجير سكان حلب وإخلائها بشكل كامل ونقلهم إلى ريف حلب وإدلب بعد أعوام من القصف والمعارك.
لكن هذا العام شهد تطبيق سياسة جديدة على الأرض من طرف النظام وهي القبول بشروطه المطروحة من أجل التهجير صوب الشمال السوري أو البقاء في المناطق مقابل المصالحة والتي ربما تنتهي لاحقا بالقتل أو الاعتقال أو السوق للخدمة العسكرية.
ونجح النظام السوري في إخراج فصائل المعارضة من مناطق سيطرتها في ريف دمشق ودرعا وريف حمص والقنيطرة ليستعيد بذلك ما يزيد عن 70% من مناطق الثوار ويدخلها تحت سيطرته من جديد ولهذا التحول المفاجئ والانهيار العسكري غير المسبوق لفصائل المعارضة العديد من الأسباب.
أسباب عسكرية
العميد أحمد بري رئيس أركان الجيش الحر سابقاً قال: إن “إيقاف الدعم العسكري واللوجستي عن فصائل المعارضة من جهة وعلى الطرف المقابل الدعم غير المحدود لنظام الأسد وقواته من حلفائه الإيرانيين والروس، إضافة إلى استخدام القوة المفرطة من جانب النظام خلال العمليات العسكرية وارتكاب المجازر بحق المدنيين واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً كان أبرز ما ميز عام 2018”.
وأوضح بري أن نظام الأسد تمكن من تحقيق تقدم عسكري على الأرض بعد اتباعه لسياسة الأرض المحروقة بالتزامن مع صمت دولي غير مبرر لما يرتكبه من جرائم حرب لذلك كان الانسحاب من بعض المناطق هو الحل الأفضل كخيار عسكري”.
وأكد العميد أن الدور الروسي كان “رئيسيا في تغيير خريطة السيطرة على الأرض فمع دخول الروس واستخدامهم الطيران المتطور بمختلف أشكاله واستهداف مناطق الثوار بالصواريخ بعيدة المدى من البحر والتركيز على قصف المنشأت المدنية والطبية أدى إلى إضعاف قوة الفصائل إلى حد كبير”.
ولفت إلى أن الاتفاقات الجانبية التي أبرمتها فصائل عسكرية مع دول مثل أمريكا وروسيا كان لها يد في تقسيم قرار المعارضة وجر البعض لتوقيع اتفاقات فردية مع النظام السوري.
واتهم بري بعض الدول بحرمان المعارضة مع الدعم العسكري رغم قيام النظام بارتكاب مجازر مثلما حصل في الغوطة بعد منع ما يعرف بـ”غرفة الموك” لفصائل درعا من التحرك لتخفيف الضغط على الغوطة وتهديدهم بأن كل من يتحرك سيعتبر خارج الغرفة ولن يتلقى الدعم العسكري.
أسباب داخلية
من جانبه قال الناشط الصحفي أنس الخولي الذي شهد معارك الغوطة الشرقية في ريف دمشق وخرج منها عام 2018 إن “غياب الدعم والحاضنة الشعبية للفصائل العسكرية بعد ما شهدته الغوطة من صراعات داخلية من جهة والحصار الذي فرضه نظام الأسد عليها كان له دور أساسي في انهيار وتراجع فصائل الثورة بعد معارك قدمت بها الفصائل العسكرية كل ما تملك للدفاع عن الغوطة”.
وقال الخولي إن قرار التهجير “لم يكن مفاجئا بل كان متوقعا فلا يمكن أن تصمد فصائل الثورة أكثر من ذلك وتنتصر على روسيا خصوصا مع صمت دولي عن كل ما يرتكب بحق سكان هذه المناطق، ولكنه كان قرارا مؤلما جداً” حسب تعبيره.
بدوره قال المحلل السياسي والباحث الدكتور محمد حاج بكري إن تشتت الفصائل وغياب التنسيق بين بعضها وعمل كل فصيل على تشكيل مكتب سياسي يمثله ويعمل على تحقيق أهدافه على حساب باقي الفصائل وأهداف الثورة السورية أدى لخلل جماعي وتراجع في أداء كافة الفصائل.
ولفت بكري إلى أن فصل المجتمع الدولي بين المعارضة العسكرية والسياسية وتشكيل معارضة عسكرية تفاوض نظام الأسد سياسياً في استانة تسبب بخلل واضح سمح للفصائل العسكرية بالعمل منفردة بعيدا عن التنسيق السياسي.
ورأى أن نظام الأسد استغل هذا الخلل بشكل جيد فحين كانت المعارضة العسكرية منشغلة بحجم تمثيلها السياسي في الخارج بقي نظام الأسد يعد العدة ويجهز للعمليات العسكرية التي سيقوم بها في الداخل مستفيداً من طول المدة الزمنية التي انعكست بشكل سلبي على السكان في مناطق الثورة بسبب تعرضهم للقصف اليومي والحصار والجوع والنزوح.
وأشار إلى أن غياب الجهات السياسية ممثلة بالائتلاف السوري المعارض عن العمل الخدمي والتنظيمي في الداخل وهشاشته تنظيمياً كان له دور كبير في فتح المجال أمام الفصائل العسكرية للسيطرة على المشهد السياسي والعسكري في نفس الوقت رغم عدم امتلاكها الخبرة الكافية.
المصدر| عربي 21