د. أحمد لطفي شاهين – فلسطين المحتلة |
وصلنا في المقال السابق إلى ضرورة أن يكون الوازع الأخلاقي موجودًا في كل زمان ومكان، ويعقب ذلك أن تكون أنت أنت لا أن تتقمص دورًا غير دورك ولا صفات غير صفاتك، فالطيب لا تتغير صفاته أبدًا أينما كان موقعه، ولو أردت أن تكون عاشقًا حقيقيًّا وباحثًا عن حبّ من الطرف الآخر بشكل جاد فخذ هذا الرقم 2 – 29 – 189 وابحث عنه في القرآن الكريم سورة رقم 2 صفحة رقم 29 الآية 189 “وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”
لو انتقلنا إلى الشوارع والمقاهي والكافيهات والمنتزهات والجامعات وكل أماكن الاحتكاك بين الجنسين نلاحظ ظواهر شاذة تبدأ بالنظر بوقاحة وبعض الكلمات الغزلية الساقطة، وللأسف أحياناً تنقلب الآية لتجد بعض البنات تعاكس بعض الشباب، وللأسف نجد بعض البنات تلبس ملابس استفزازية بحجة الحر والشمس فيما يمكن تسميته التحرش العكسي، كأنه عرض أجساد وافتخار بتفاصيل للجسم الذي ستأكله الديدان يومًا ما، فمهما زاد جمالك وجمال جسمك سيكون ممتعًا للديدان في القبر أكثر، فأنت نفسك ستكون يومًا ما وجبة دسمة لتلك الديدان الموجودة في أمعائك وخلاياك وأنت على قيد الحياة، والأصل دينيًّا وأخلاقيًّا عدم المعاكسة ووجوب غضّ البصر من الطرفين، ومن يجرب غضّ البصر يجد متعة ما بعدها متعة، ويشعر فعلاً بحلاوة طعم غضّ البصر، لكن لا يمكن أن تغض بصرك إلا إذا كنت من داخلك مقتنعًا بأهمية غضّ البصر، وإنما الشريف هو من يهرب من أسباب المعصية كما قال السيد المسيح عليه السلام.
إقرأ أيضاً:كيف نرتقي بأخلاقنا (1)
الحمد لله أننا لم نصل إلى مرحلة التحرش كما يحصل في بعض الدول، وأتمنى ألَّا نصل إليها في المجتمع العربي والإسلامي.
لذلك نركز ونؤكد على قضية الوازع الأخلاقي الداخلي وأهمية أن نمتلك رقابة داخلية تمنعنا من ارتكاب الأخطاء.
لو انتقلنا إلى عالم الأسرة نجد العلاقات الاجتماعية مفككة في غالبية البيوت والعائلات، فلا تواصل ولا تزاور ولا تعارف ولا تقارب ولا تراحم ولا تعاطف ولا احترام من زوايا عديدة، إذ يجب علينا أن نعود إلى أيام الزمن الجميل، أيام أجدادنا الطيبين الذين فقدوا كل الأرض المحتلة، لكنهم لم يفقدوا أنفسهم، لقد توارثنا وسمعنا كلنا عن تاريخ رائع من علاقات التواصل تفوق في روعتها كل أشكال التواصل الاجتماعي الحديث، فالكل يقول لك: “إن الناس كانت تحبّ بعضها، وتحب لبعضها الخير” مقولة اعتبرها إبداعية وأساس لنجاح المجتمع وتطوره.
وكنت تكلمت عن الحب في مقال سابق بعنوان (في ظلال الحب) لكن الجميل هنا أن الكل يحب الخير للآخر ويتمنى الخير للآخر، وبالتالي لا تحاسد ولا تباغض ولا شحناء أبدًا.
فلماذا تغيرنا؟ ما الذي حصل؟ هل تصدق المقولة التي تقول: إنه كلما تطور الاقتصاد تفكك المجتمع؟
ولو افترضنا جدلاً أنها مقولة صادقة، فأين تطورنا الاقتصادي الذي فكك مجتمعنا الفلسطيني والعربي؟ نحن مجتمع استهلاكي بامتياز ولا نمتلك مقومات الاقتصاد أساسًا، فكيف ولماذا تفككت العلاقات؟ ولماذا ذلك التحاسد والتباغض بين كثير من الأقارب والجيران والزملاء والمعارف، ولو أجرينا إحصائية للفضائح التي تحصل في العالم كله فهي لا تتجاوز نوعين من الفضائح، فضائح مالية وفضائح جنسية، وهذا يعني ويؤكد أن القضية قضية أخلاق بالدرجة الأولى.
أنا لا أقول إن كلامي عام وشامل وينطبق على الجميع، بل على العكس فالغالبية في مجتمعاتنا رائعة، لكن هذه مظاهر اجتماعية موجودة عند البعض ونلاحظها أثناء تدخلنا لحل المشاكل بين الناس التي أساسها سوء الأخلاق والفقر في القيم، لذلك أقول: إننا مصابون (بأنيميا الأخلاق) فكثيرون أُولئك الفقراء فعلاً في أخلاقهم ومبادئهم.
إذا رجعنا إلى تلك التجربة الروسية التي سردناها بالمقال السابق، فالسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا لو فعلت التجربة نفسها بنت عربية في مجتمع عربي؟! كيف سيتعامل معها الجمهور؟ رغم كل انتقاداتي لكثير من السلوكيات فأنا أعتقد وأكاد أجزم أنه لن يقترب منها أحد، ولن يفعل بها أي شخص أي شيء، ولو حاول أي شخص فعل شيء مشين سيمنعه كثيرون، وربما يقف البعض للدفاع عنها وحمايتها دون أن يعرفها، وربما يتدخل البعض ويتكلم معها ليقنعها بالمغادرة، وذلك لأن لدينا ضوابط أخلاقية ودينية تجعل عندنا الغيرة والنخوة والشرف وعدم القبول لأي ممارسات لا أخلاقية بحق أي بنت، وهذه الضوابط موجودة عند الغالبية العظمى من الناس بنسب متفاوتة وليست معدومة، فالوازع الأخلاقي الداخلي موجود بفضل الله عند الغالبية.
قبل فترة زمنية ليست ببعيدة حصل إعصار قوي في أمريكا وانقطعت الكهرباء عدة ساعات فسجلت آلاف حالات السرقة في أرقى المدن الأمريكية خلال ساعات؛ لأن الكاميرات تعطلت ولا يوجد وازع اخلاقي داخلي يمنعهم من السرقة وكان كل خوفهم من الكاميرات في أرقى دول العالم، وهذا هو الفارق، وهذا ما أريد أن أصل إليه أن يكون خوفنا نابعًا من داخلنا فقط.
السؤال الآخر الذي يطرح نفسه الآن: لماذا نحن، ما دمنا جميعًا متفقين على وجود ضوابط أخلاقية رائعة وراقية في ديننا، نعاني من ممارسات لا أخلاقية في مجتمعاتنا من البعض وننتقدها بشدة؟ لماذا لا نلتزم جميعاً بالمعايير الأخلاقية الرائعة السائدة في المجتمع العربي والمستمدة أصلاً من روح الإسلام؟!
إن أروع ما في ديننا أنه يعتمد على الوازع الأخلاقي الداخلي ورقابة الذات أمام الله تعالى فقط كما يحدث في موضوع الصيام، فهو علاقة خاصة بينك وبين الله تبارك وتعالى، فلا أحد يراقبك إلا ذاتك وضميرك ووازعك الداخلي، وأنا استغرب كيف يوجد عندنا هذه العبادة الراقية ونجد البعض يخطئ في حق نفسه وحق المجتمع، من لم يهذب روحه الصيام فليفتش في نفسه عن السبب ويصلح الخلل.
اكتفي بهذا القدر ولو أردت أن أترك المجال لنفسي سأكتب مجلداً بهذا الخصوص لكنني أكتفي بما كتبت وأعتذر أعزائي القراء على الإطالة، وأرجو أن نرتقي بأنفسنا وأخلاقنا وأن نجري عملية تنشيط وإيقاظ لضمائرنا ووازعنا الأخلاقي الداخلي، وليكن كلامي من باب (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين).