سعيد زيدان |
إن حياة الأمم مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحياة الإنسان المواظب على العمل لأجل ازدهار الأمة وتطويرها، فكما أن لأي إنسان مهد ثم ريعان ثم مراهقة ثم شباب ثم حكمة ثم هرم ثم ضعف وموت، كذلك للأمة بداية ثم تشكيل ثم توطيد ثم قوة ثم حكمة وازدهار ثم تدني ثم ضعف فزوال.
في هذا المقال سأتحدث عن التقسيم العمري للإنسان من الناحية الإنتاجية الاستثمارية التي تفيد أي أمة من رؤية خاصة، وسيكون التقسيم حسب ثلاث مراحل رئيسة تم تقسيمها حسب الإنتاج العمري وفق منهجين:
الأول: (الإنسان الإنتاجي البسيط): كالحرفيين وغيرهم من أصحاب المهن الحرة، ولن أتطرق لذكرهم الآن.
الثاني (الإنسان الإنتاجي المفيد): كالإداريين والقادة والعلماء …..إلخ، وهم من سأتحدث عنهم، ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة مراحل:
1-المرحلة العمرية الأولى (التمهيد): تم تسميتها بالتمهيدية لأنها المرحلة الأولى بعمر الإنسان، وتمتد طيلة ثلاثين عامًا تقريبًا، تبدأ من سن سنتين حتى الثانية والثلاثين وهي مرحلة القوة والطاقة، وتقسم أيضًا إلى قسمين:
أ-المرحلة التمهيدية الأولى (الاستثمارية): وهي الفترة الواقعة بين سن الثانية (أول سن يبدأ الإنسان فيها بإخراج مكتسباته سواء الكلام أو الترديد) وسن الثامنة عشر واسميتها (اللااستثمارية)؛ لأن الإنسان فيها يكون بحاجة إلى كافة مقومات الحياة بطريقة تطفلية، حيث إنه يعتمد على أهله بشكل مباشر في كل ما يلزمه لتأمين حياته وسلامته.
وتعتبر هذه المرحلة هي المرحلة الأم لاكتساب المعارف، كما أنها ليست استثمارية للشخص بذاته إلا أن الأمة تستثمر لنفسها في هذه المرحلة.
ونستطيع في هذه المرحلة تمييز فيما أن أي شخص سيكون إنتاجيًا بسيطًا أو إنتاجيًا مفيدًا، ترتكز هذه المعايير على كمية العلوم التي يستقبلها الإنسان سواء كانت نظرية أو تطبيقية.
وكما أن هذه المرحلة مهمة إلا أنها من أخطر المراحل في عمر الإنسان.
ب- المرحلة التمهيدية الثانية ( المرحلة التمهيدية الاستثمارية التخصصية) : وتمتد هذه المرحلة بين سن الثامنة عشر حتى سن الثانية والثلاثين، وتمتاز هذه المرحلة بتغير القاعدة الرئيسة للمرحلة الأولى، وهي الاعتماد على الآخرين لتبدأ معها محاولات تسعى وبجدية للاكتفاء الذاتي ومحاولة الاعتماد على الذات كليًا أو جزئيًا، الذي بدوره سيؤمن الاستقلالية لهذا الشخص، ومن أهم ميزات هذه المرحلة البدء في عملية التخصص العلمي الذي سيسهم في المراحل القادمة، كما أن عملية الإنتاج الفعلي تبدأ في هذه المرحلة وبذلك يبدأ ظهور الخبرات المكتسبة من المراحل التمهيدية (اللااستهلاكية) وأيضًا من أهم ميزات هذه المرحلة حب الظهور والرغبة في إثبات الذات.
2-المرحلة الثانية (مرحلة الازدهار والصقل):
يتراوح امتداد هذه الفترة من (20 إلى 25) عامًا بعد سن الثانية والثلاثين، وفيها يصل الإنسان مرحلةَ الرضا في كافة مجالات الحياة الاقتصادية والإدارية والعلمية، حيث إن جميع المهارات المكتسبة يتم بلورتها عن طريق الخبرة والممارسة، ويتم توجيهها ضمن الإطار الملائم للشخص، فيبرز بذلك العالم والطبيب والسياسي والإداري ورجل الأعمال ….. إلخ، وفي هذه المرحلة تبدأ النخب بتصدر جميع المشاهد …
3- المرحلة الثالثة (مرحلة ما بعد التقاعد أو استخدام النوابغ):
يعتبر هذا السن هو السن المسير لجميع المراحل العمرية السابقة، ورغم ضعف الإنتاج الفعلي لهذه المرحلة إلا أنها أهم المراحل كونها هي التي تخطط للمراحل التي مرت سابقًا.
تبدأ هذه المرحلة بعد سن التقاعد، حيث إن كل شخص وصل لهذه المرحلة أصبح لديه من الخبرة ما يستطيع من خلالها تجاوز العقبات والأزمات التي كان قد مر بها والتخطيط لتنمية وازدهار العمل، وطبعًا هؤلاء الأشخاص هم من كانوا النخب في زمانهم ويجب أن يكونوا منسجمين مع الحياة الواقعية العصرية ومدركين لمتطلبات الحياة، حيث يتم استدعاء هؤلاء الأشخاص للعمل في مراكز الأبحاث، فيستدعى الحقوقي والإداري لتطوير طرق الإدارة وتحسين الأنظمة القائمة، ويستدعى الموجهون التربويون والمعلمون لتطوير المناهج التربوية ووضع الخطط الناظمة المطورة للعملية التعليمية، ويستدعى السياسيون لرسم الخطط السياسية للأمة، والاقتصاديون لرسم خطط اقتصادية إستراتيجية ..
ولقد تم ذكر هذه الأصناف الأربعة تحديدًا لأنها ركائز أي أمة (التعليم، الاقتصاد، السياسة، الإدارة) وسوف نأتي على ذكر كل منها إن شاء الله كلٌ في مقال.
كما رأينا فإن عمر الإنسان مرتبط ارتباطًا وثيقًا بعمر الأمم، ويمكننا القول: إن الأمة التي يزداد فيها أعمار السكان ما دون سن 18 عامًا بنسبة كبيرة هي أمة فتية كالأمة العربية التي يزداد فيها الشباب، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، والأمة التي يزداد فيها عمر المتقاعدين هي أمة عجوز كأوربا.