سليم أبو رشيد |
حبانا الله أحلاماً واستودع فينا آمالاً، حتى استقرت في محيانا، وبتنا نراها في حياتنا وممشانا ومباتنا، وتدور في أذهاننا حتى نسجت في سجيتنا، ولطالما أوصينا أنفسننا أن نلاحق الحلم الذي حبانا الله إياه متمسكين بأوثق عراه، نلاحقه حتى نستوطن فيه، فقد علم الله أن لكل موجود قدرة تمكنه من التألق والنجاح في أمر ما، فملَّكه مفاتيحه وأوجد فيه القدرة والهمة لفعله.
ولطالما ذُكرت قصة الثبات في هذه الأنحاء، لتحيينا في ثنايا أحلامنا، وقد أُطربت آذاننا بسماعها في المساجد والمدارس والجامعات والندوات والدورات وعلى نقاط الـرباط، كلهم يدعي: ” لا أبرح حتى أبلغ “
فلا أبرح حتى أبلغ رسمت سبلاً واضحة، وأخبرت عن طرقٍ عظيمة يدركها البسيط قبل المعلم، أخفت في طياتها دروساً قيمة يهتدي لضيائها السائر أحقاباً في دجى العثرات.
فمالي أرى مجتمعاتنا قد برحت، وانطفأت، وضعفت، وبهت توهجهًا، وانبرت عزائمها، مالي أراها قد وهنت وبلغ البعد منها أشده! ما تلبث أن تقبض بيدها على حلم حتى تنفصم عنه سراعاً، تكون في صبيحة مشاريعها بهمم تعانق قمم السحاب تناطح أشم الجبال، وما تلبث إلا خطوات حتى يُجر أهل هذه المجتمعات في سراديب الإحباطات تاركين وراءهم عقائدهم وشعاراتهم نحو الصمود والثبات، ليغدو أقصى مناهم نيل بعض المساعدات من شرذمة الغرباء، ناسين أن من عزم سار ومن سار نال، ناسين أن من ثبُتَ نبُتَ، ظانين أن المجد سهل المنال رخيص الفعال، وأن وجوده يقتصر على سطور التاريخ.
فلو أننا ثبتنا حقاً لحققنا منـانا، وإن ثبتنا حررنا ديارنا، وإن ثبتنا نلنا مبتغانا، فمن قال: إن النصر يدرك من غير ثبات؟! ومن قال: إن المجد السهل يبقى؟! إن النجاح الرخيص أساساً لا يعيش، فما تبنى الهيِّن إلا مهانٌ، فالحياة الهينة يتبناها كل ضعيف.
فلعند إلى أهدافنا ونتشبَّث بآمالنا ونلملم شتات أنفسنا، ونجمع فتات قلوبنا ونقبض على ما تبقى من أنفسنا، ولنصنع من جراحنا أملاً، ونقف على ناصية الحلم ونصرخ: نحن القوة، نحن أمل الأجيال، فليس في هذه الدنيا متسع للخذلان.
ومن ظنَّ أن نيل المكارم يرتجى بـالتمني، أو أن فجر الشعوب يأتي وحده بعد ظلمة الليل، ومن قال: إنـه كلما اشتد ظلام الليل يقترب بزوغ الفجر؟! إن فجر الأمم لا يأتي وحده تلقائيا كما فجر النهار، بل ستتعاقب عليه الظلمات إلى ما لا نهاية ما دام الفعل هو التسويف والانتظار، فجر الأمم لا تصنعه إلا نفسها بعزيمتها وهمة أبنائها وإصرار شبابها وثباتهم حتى يدركوا مناهم ويكون شعار كلِّ هامة منهم: “اثُبت.. تنبُت، وكن التغيير الذي تريد أن تراه في غيرك”.