أثار دخول القوات التركية إلى الأراضي السورية المحررة جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية أكثر من الجدل الذي سبّبه منتخب الوطن البراميلي، فانبرتِ المحطات الفضائية والمحللون السياسيون بعد أن وجدوا من التدخل التركي مادة إعلامية دسمة يحللون ويستشرفون ويقيِّمون، المؤيدون له يرحبون والمعارضون للتدخل يستغلونه لاتهام وطعن الثورة في وطنيّتها، حتى النظام السوري عاد للواجهة من جديد بعد التدخل التركي فهدّد وشجب واستنكر وطالب بحق سيادته العذراء ببياناتٍ عسكرية يطالب فيها الجيش التركي بأخذ رأي النظام قبل الدخول للأراضي السورية التي لم يدخلها جيشه منذ سنوات في صورة غبية كالعادة لا تمانع التدخل في سوريا لكنها تقف ضد تجاوز البروتوكول الوطني والسياج المقاوم المتماسك.
خياراتٌ كثيرة طرحها المتناقشون والمحلّلون على شاشات التلفزة ووسائل التواصل، المتفائلون يرون في التدخل بوابةً كبرى لتوحيد الفصائل وتشكيل جيش واحد موحد من أهدافه الأولى حماية المدنيين والانطلاق لتحرير الأراضي السورية المحتلة، الجيش التركي سيحافظ على وقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة وبين الفصائل المعارضة ذاتها مما سيساهم في تشكيل إدارة مدنية تدير المعابر والمؤسسات المدنية كافة في صورة يتمناها كل معارض في الداخل السوري خاصة بعد أن جنتِ الثورة من التفرق مزيداً من التخاذل والخسران.
أما معارضو التدخل فيرون أن التدخل التركي هو مصلحة تركية في الدرجة الأولى، تركيا تبحث عن موارد جديدة في إدلب كما أن التدخل التركي هدفه مواجهة الأكراد فقط دون غيرهم بعيداً عن الصراع بين النظام والمعارضة كما يستعين هؤلاء بمواقف تاريخية وكأن الجيش التركي يبحث عن إمبراطورية عظمى سيحصل عليها من إدلب التي ربما يعتقدون أنها الأغنى نفطاً والأكثر مساحةً!!
النظرة الواقعية للتدخل التركي تكمن في اعتباره مصلحة تركية من الطراز الأول لكنها بالمقابل تتماشى مع مصلحة الثورة فأهداف تركيا الأساسية من التدخل أولا ستحاول منع الامتداد الكردي نحو إدلب كما يعتبر دخولها حركة استباقية لأي تدخل أمريكي يدعم الكانتون الكردي كما حصل في منبج سابقاً خاصةً مع قوة الموقف التركي إثر التقارب مع روسيا والذي تُرجم سابقاً في عملية درع الفرات.
بالمقابل فإن تركيا ستسعى عقب مؤتمر أستانا إلى إقامة منطقة آمنة للمدنيين داخل الأراضي السورية ومحاولة إنعاش الاقتصاد السوري في إدلب وريفي حلب الشمالي والغربي محاولةً بذلك التخلص من الهجرة وإعادة أعداد كبيرة من السوريين إلى وطنهم، كما سينتج عن التدخل التركي منع النظام من دخول إدلب من جهة حماة أو ريف حلب الجنوبي ومنع أي تحالف بينه وبين الأكراد.
بعيداً عن كل التوقعات التي تؤيد أو تعارض التدخل التركي في الداخل السوري لا يمكننا أن ننكر أهمية الدعم التركي لفصائل الجيش الحر خاصة بعد تغير واضح لمواقف كثير من الدول المؤيدة للثورة بعدما عجزت الثورة عبر سنواتها السبع الماضية عن تقديم بدائل تنوب عن الأسد عقب سقوطه مما أتاح الفرص أمام بعض الدول للتدخل السياسي والعسكري ومنها التدخل التركي الذي قد يكون ضامناً حقيقياً ليس لوقف النار فحسب بل لاستمرار الثورة وتحقيق أهدافها وصقل شخصيتها في المحافل السياسية.