جمال صطوف
تعترض الإنسان في حياته اليومية العديد من المواقف التي تتطلب منه اتخاذ القرار المناسب، لكي يضبط وينظم سلوكه، ويوجه طاقاته نحو تحقيق الهدف الذي يتوافق مع القرار الذي يناسبه.
نجد معظم الناس بعد التفكير والموازنة بين الإيجابيات والسلبيات لذلك الموضوع يتخذون القرار المناسب، إما بالإقدام على الفعل أو الإحجام عنه، لكن في بعض الأحيان يجد الفرد نفسه في حالة صراع نفسي لا يستطيع الاختيار، ونتيجة هذا الصراع تنتهي هذه الحالة بمجرد حسم القرار الفوري.
بعد أن قامت قوات النظام بمساندة الحلفاء الشيعة والطيران الروسي بحصار حلب، لم يكتفوا بذلك فحسب، بل استمروا بقصف المدنيين بالغارات الجوية والمدافع بشكل جنوني، يذكر أنَّ المدينة قدمت أكثر من 500 شهيد خلال أسبوع واحد.
هذه التطورات السريعة وضعت المواطن الحلبي أمام خيارين لا ثالث لهما أحلاهما علقم.
فإذا كنت من سكان هذه المدينة ستقع في جدل كبير في داخلك، فإمَّا سترحل وتترك منزلك والحي الذي تقطنه وكل ذكرياتك في أماكن حفظت صوت خطواتك وأرصفة عشقتك حين تسير عليها، عندها هل تترك كل شيء من أجل الهرب من الموت والحفاظ على حياتك وحياة أطفالك وذويك لكي تذهب إلى مكان تبدأ فيه من الصفر وربما أقل من الصفر؟ وإما ستختار البقاء في منزلك الصغير الذي بنيت به كل أحلامك ومستقبلك أنت وأطفالك، رافضا الهروب من الموت والبقاء في مدينتك التي أحببت، لكن خيارك هذا قد يجعل هذا المنزل هو نفسه المكان الذي سترقد فيه للأبد، وقد تزف أحد أبنائك إلى الجنة منه.في أعرق مدينة على وجه الأرض تتم صناعة الموت، حيث تصنف المدينة الأخطر في العالم، و لو سألت أحد قاطنيها حالياً هل تفضل الرحيل لمكان آمن؟
سيقول لك: ” هنا ولدت وهنا عشت أجمل أيام حياتي، فلئن أبقى في حلب الموت خير لي من أن أعيش حياة الذل في تركيا وغيرها.”
وإذا انتقلنا لشخص آخر سيكون جوابه: ” أنا مجبر على الخروج من حلب؛ والمشكلة هي الأطفال، فما ذنبهم أن يموتوا طيلة النهار ألف موتة رعباً من الطيران الحربي والمروحي، وفي الليل لا يكادون يذوقون للنوم طعماً.
لقد عشنا حياتنا هنا، ولكن الحقيقة أنَّ هذه البلد لم تعد الحياة تطاق فيها” في هذه الأثناء لا يستطيع أن يخفي دموعه أثناء حزم حقائب الرحيل.
فنتيجة الصراع النفسي الذي يعيشه الفرد في حلب، بات المواطن الحلبي يعيش حالة نفسية صعبة، إذ إنَّه يشعر بقلق دائم، وتوتر مستمر، والانفعال لأبسط المواقف، والنوم المتقطع، بالإضافة للأرق بسبب التفكير المستمر بنفس الموضوع دون اتخاذ أي قرار، وانخفاض الدافعية، وغياب الهدف، والطموح في الحياة وحالة من اليأس.
أفضل نصيحة أستطيع أن أقدمها لكم هي: قوله عليه الصلاة والسلام ” من سعادة المرء: استخارته لربه، ورضاه بما قضى، وَمِنْ شَقَاءِ الْمَرْءِ: تَرْكُهُ الاسْتِخَارَةِ، وَسَخَطُهُ بَعْدَ الْقَضَاء “إذاً عليك أن تقوم باستخارة الله في حسم قرار البقاء داخل المدينة أو النزوح منها، مع الأخذ بالأسباب.
وفي ظلِّ كلِّ هذه التخبطات في ذهنية المواطن الحلبي، واعتصار نفسه خوفاً وألماً، يستمر الصراع على حلب من جانب قوات النظام بمساندة الحلفاء ” روسيا، إيران، شيعة العراق ولبنان “، وقوات المعارضة من فصائل الجيش الحر وجيش الفتح.
في النهاية تبقى لدينا بعض التساؤلات، هل سيتم إفراغ حلب ذاتياً من خلال نزوح أهلها خوفاً من القصف الوحشي الذي تتعرض له المدنية، أم أنَّ أعرق المدن في العالم يستطيع أن يبقى سكانها فيها بما تبقى لها من سحر وتأثير في نفوسهم بخاصة أنَّ تراب هذه المدنية قد سقي بدماء الشهداء ودموع الثكالى، واحتضن بداخله شهيداً من كل أسرة؟