لقاء : فارس الحلبيالتقت صحيفة حبر الفنان والمجاز الطبي مصطفى ماهر بوشناق في مدينة حريتان ، وقد استضافنا في منزله مشكورًا ، ورحّب بنا بكلام يشبه اللوحات الجميلة التي تبدعها ريشته .بدأ الحديث قائلًا :مهما اعترضتنا العقبات، وثقلت علينا التبعات فلا غنى لنا عن أن نغنّي أغاني الروح والنفس المتطلعة إلى الحرية عبر ريشتنا التي تقفز قفزاً إلى أيدينا بعد أن تفرغ الأيدي من العمل الجهادي ، فمن معالجة جرحانا وإسعافهم إلى رسم آمالنا وواقعنا و تطلعاتنا نحو حياة يُذبح فيها الذل والهوان ويُداس فيها التملّق والانبطاح وترتفع الهام عزة وكرامة وتفاؤلاً ، ومن الصدارة المتلطخة بالدم الطاهر دم الطفولة الذي تريقه القنابل البرميلية إلى الصدارة التي ترسم بسمات المستقبل المضيء العزيز الكريم القويم ، لا نلبث أن نخلعَ الأولى حتى نلبس الأخرى ، و لئن حُرمنا العمل في الطبّ الذي لا محيد عنه فوق الأرض فإننا سنزاوله تحت الأرض ولئن حُظر علينا استعمال الريشة في الضوء فسنستعملها في ظلام الملاجئ والمغارات وظلامات الدهاليز لئلا تنفجر رئاتنا ضيقاً وقهرًا وغضباً . نصبّ الدم الذي تريقه آلة القتل البهيمية الحاقدة من صواريخ فراغية وقنابل عنقودية وبرميلية وقذائف راجمة تنشر الخراب في كل مكان والموت في كل موطن كان من قبل آمناً ، نرتشف هذا الدم المهراق لننفثه على لوحة تحمله قانياً ألْقاً وهّاجاً بلون الثورة خالداً أبياً بإبائها وسنظل رغم التحديات نتحدى ورغم جسامة التكاليف نتصدى ، ينتظرنا الأطفال الذين نسعفهم بالمشافي ليأنسو بنا كما تنتظرنا الأرياش المخضبة بالدم لننثر ما امتصته من دم عطر لئلايقع على الأرض ، ننثره لوحات من الضياء والخلود .ما هي الشهادات التي تحملها ومتى بدأت الرسم ؟أحمل ثلاث شهادات جامعية وهي دراسات قانونية و شهادة في الفن التشكيلي و شهادة مجاز صحي . الرسم هواية وعمل وروح وفكر و جزء من حياتي بدأت الرسم كهواية في المرحلة الإعدادية ودراسة أكاديمية في عام 2004م .كيف تستوحي فكرة الرسم ؟قبل الثورة كانت لي غرفة في منزلي أستوحي منها فكري ، وأكتب فيها النثر والشعر بالإضافة إلى الفن ، ولكن النظام حرق منزلي فنزلت بين الأشجار لكي أستمر بالرسم وعندما أتت البراميل والقذائف نزلت تحت الأرض في كهف و تحول هذا الكهف إلى مشفى ميداني ومرسم وملجئ ، فالفنان يبحث عن مكان آمن حتى يشعر بالأمان ويرسم وإلا فترجف يده ويفشل رسمه . منذ بداية الثورة أصبحت أستوحي فكرة رسم اللوحة من دماء الشهداء الذي يتساقط على الأرض إضافة إلى أني كنت أعمل في المشفى الميداني ، أرسم ما أراه في المشافي .حدثنا قليلاً عن نضالك الثوري ؟.منذ البداية كانت المظاهرات السلمية في ساحة حريتان وكنت أعالج المصابين ، عملت كطبيب بسبب خوف الأطباء من معالجة المتظاهرين ، لقد قمت بإسعاف أول مصاب في حريتان ومعالجته ، ولكنّ الأمر كان يتمّ بشكل سري فكنّا نضع المنديل ونلبس الكلابية ونسعف المريض ، كنت أفرغ همي وحزني بالرسم وآلامي ووجعي كله بالرسم كانت لوحتي سوداء ملطخة بالدماء ، أقول للنظام لماذا حرقت بيتي ؟ أنا لست إرهابيًا ، أنا فنان و مهنتي إنسانية في الطب .كيف توافق بين الرسم وعملك في مجال الطب ؟.أعمل في الطب مسعفُا ، عندما تأتي حالة إسعاف أرتدي الصدرية البيضاء وأسعف الجرحى وعندما أنتهي من الإسعاف بعد سقوط القذائف والبراميل وتهدأ الأوضاع لسويعات أعود إلى الكهف الذي عدنا إليه بعد 2000 عام قبل الميلاد لكي أرسم ما شاهدته عيني من الشهداء والدماء .وأثناء حوارنا أشار إلى لوحة وقال نحن لسنا طائفيين ثم حدثنا عن اللوحة قائلاًهذه اللوحة رسمتها لمن يقول بأننا طائفين ترى الجامع يعانق الكنيسة، من خلال هذه اللوحة تشاهد الشباب الأبطال من إخوتنا المسيحية الذين انضموا إلى صفوف الثوار في مدينة حريتان ، ومنهم إبراهيم حداد من حمص تل كلخ الذي استشهد بحريتان ودفناه فيها.تستمر الحياة رغم المعاناة ويستمر هذا الفنان برسمه وإيصال رسالته ليعلم العالم بأن الثورة السورية مليئة بالنضال ، لكل شخص رسالته يحملها على أكتافه يرسمها في لوحاته أو يخطها على صفحاته .والجدير بالذكر : أن الفنان مصطفى بوشناق أقام معرضًا للوحاته في مدينة حريتان وحضر المعرض كلاً من محافظ حلب الحرة وحجي حريتان القيادي في الجبهة الإسلامية ، وتضمن المعرض توزيع هدايا للأطفال كما قدّم الأطفال فعاليات صغيرة داخل المعرض .