جاد الغيث |
هربت من شخص حملني لأول مرة وجئت إليكم، إلى عالمكم أنتم (عالم البشر) إنها زيارتي الأولى لكم، زيارة تحمل آلامًا وأوجاعًا وتغييرًا في كل شيء حولكم.
من بلد تعداد سكانه يزيد عن المليار اخترقت الحدود بسهولة، ودون أن يراني أحد انتقلت من يد إلى يد ومن مكان لآخر، وفي أقل من ثلاثة أشهر تحول العالم إلى جزر معزولة.
طائرات خالية من ركابها حزينة مصطفة في مطاراتها، مباريات رياضية عالمية ألغيت، سياحة توقفت، فنادق دون نزلاء، متاجر دون زبائن، مدارس وجامعات دون تلاميذ وطلاب، والأكثر حزنًا مساجد بلا مصلين، والحرمين الشريفين خاليين.
حكايتي كانت مع أربع أشخاص صافحتهم بلطف شديد واليوم لدي أصدقاء أعدادهم تزداد ساعة بعد ساعة، وشريط الأخبار في القنوات الفضائية يخبركم عن صداقاتي الجديدة مع مختلف الأعمار والجنسيات.
عيونكم مسمَّرة على أرقام الوفيات والإصابات الجديدة، تحزنون لارتفاع أعداد الموتى
وتتفاءلون بحالات الشفاء، نعم أنا وباء، ولكن ليس كل وباء يجلب الموت والدمار، فأنتم تقتلون بعضكم بالأسلحة وتدمرون أرضكم وحياتكم قبل ظهوري.
الأرقام التي ماتت في الثورات العربية على يد الطغاة تصيبني بالرعب، لا أرغب أن أعيدكم للمجازر في سورية واليمن والعراق وفلسطين، فالدم البريء مازال يراق كأنه ماء صافيًا يجري في جدول.
أنا قاتل هادئ صامت، ليس لدي مروحيات تحمل براميل متفجرة ترمى فوق رؤوس الأبرياء فيدفنون تحت أنقاض بيوتهم، أنا لا أملك صاروخًا حربيًا ولا قذيفة ولا حتى رصاصة، فأنا أصلاً لا تراني العين المجردة.
وكما يقال: (لكل زمان دولة ورجال) فهذا الزمان مشغول بأخباري، ورجال هذا الوقت
العلماء والباحثون والأطباء والمسعفون، أما وزراء الصحة في كل البلدان، فقد اشتهرت أسماؤهم وصارت تغريداتهم على تويتر محط متابعة واهتمام.
أضفت إلى أخبار العالم مادة جديدة، وأجبرت الصحفيين والإعلاميين على تقديم نشرة خاصة باسمي، وبرامج تشغل ساعات بث طويلة تتحدث عني، حتى (فيصل القاسم) جعلني محور برنامجه الشهير (الاتجاه المعاكس) وربما لأول مرة يدخل فيروس لعالم السياسة فيتحكم بسياسات دول عظمى، ويتحكم في الاقتصاد والمال وفرص العمل.
خسر العالم ( 25 مليون) وظيفة، وستة ترليون دولار، وملايين العاطلين عن العمل، أنا حزين جدًا بشأن عمال اليومية، إذا جاعوا فلن يجدوا ما يأكلوه، وهناك الملايين في الحجر الصحي المنزلي بدأت حياتهم تسير في اتجاه جديد، بعضهم يقرأ ويطور مهاراته، والبعض يهتم بعائلته وأولاده، وهناك من بدأ يهتم بالرياضة والصحة والطعام.
أبدعت في عالمكم أشياء لم تعرفوها من قبل، لأول مرة في عالم القضاء يستجوب موقوف عبر واتساب ويخلى سبيله بكفالة، وحفل زفاف عن بعد حضره ( 100 ) مدعو عبر خدمة البث المباشر لفيسبوك، عرض أزياء يبث مباشرة على منصات الموضة دون جمهور، أغانٍ تغيرت كلماتها من أجلي، مواهب لأناس عاديين استثمروا الحجر الصحي في الطبخ والموسيقا والرياضة والكوميديا وجدت موهبتهم نافذة عبر يوتيوب فأزهرت أحلامهم، كما ازدهرت مبيعات الكمامات والمعقمات والكولونيا، زاد الطلب على عمال التوصيل، وبينما يتم إيصال الكتب للمنازل في أستراليا، ويزداد توصيل الوجبات السريعة في دولة خليجية.
هناك من استغل فرصة انتشاري ليركب موجة الشهرة على حسابي، فالبعض راح يتكلم عني كأنه الناطق الرسمي باسمي، ربما تسألون الآن أين أنا؟ متى أصل إليكم؟
أخباري بدقة تجدونها عبر المواقع الإلكترونية الرسمية لمنظمة الصحة العالمية، أرجو ألا يصيبكم الذعر مني، فقط التزموا بيوتكم وحافظوا على نظافتكم.
أنا مخلوق مثلكم لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًا، جئت إليكم لتوجيه رسائل شخصية لكل واحد منكم، أرجو أن تفهموا رسالتي بدقة لتعيدوا السلام لأنفسكم، وإذا أردتم مراسلتي فتفكروا في خلق الله وآياته.