غسان الجمعة |
بشكل مفاجئ وصل الرئيس الروسي إلى دمشق دون أي اعتبار للأعراف الدبلوماسية بين الدول خلال تنفيذ الزيارات، واستدعى بشار الأسد ووزير دفاعه إلى مقر القوات الروسية في دمشق التي نستطيع أن نطلق عليها أي وصف غير كلمة العاصمة في عهد بشار الأسد، إذ من المفترض أن تكون مركز السلطة ومظهرًا من مظاهر هيبة الدولة ومنعتها، وكعادة الإعلام الروسي تعمَّد خلال تغطيته للزيارة إظهار الكم الهائل من الذل للأسد ووزيره أمام بوتين وضباط جيشه.
وبعيداً عن السادية الدبلوماسية في التعامل الروسي مع النظام السوري، لا بد لنا من الوقوف على أسباب ودلالات زيارة بوتين لمزرعته على حوض المتوسط في وقت تشتد فيه الأزمات والصراعات في المنطقة.
بوتين وصل دمشق في ظل تهديدات طهران للولايات المتحدة بانتقام عنيف لقتلها سليماني، وكان النظام السوري يسبح في فلك ثارات (قُم) عبر إعلامه كونه العم الذي طالبته (زينب ابنة سليماني) بالانتقام لمقتل أبيها؛ ولذلك كان من الضروري أن يبلغ بوتين العم بشار بدوره في ضوء المستجدات الطارئة على المنطقة، كيلا يتخطى حدود الاحتفاظ بحق الرد لأبنة أخيه زينب.
فجاءت الزيارة كرد إسرائيلي على محور الممانعة الذي تقوده إيران بأن بشار الأسد خارج اللعبة وتحت السيطرة، وبدوره أثبت بوتين لإسرائيل بأن روسيا لا تقل أهمية عن الولايات المتحدة في توفير مظلة الحماية لها في المنطقة.
وفي بُعدٍ آخر لا بد أن بوتين رسم للأسد خريطة تحركاته في ضوء التصعيد الذي من الممكن أن تشهده المنطقة مستقبلاً على الرغم من أن الرد الإيراني أثبت دقة الأدوار في مسرحية الصراع الأمريكي الإيراني، لكن بقاء الأسد على أقدامه بأكياس نظيفة دون أن يدنس الساحة الإقليمية بضغط إيراني كما ظهر في المسجد الأموي هو ضرورة في الوقت الحالي للمصالح الروسية التي تريد اغتنام صراعات المنطقة من أجل توسيع نفوذها على غرار المكاسب التي حققتها من الخلافات الأمريكية التركية شرق الفرات.
أما الجانب الآخر من الزيارة فهو يخص الوضع في إدلب التي أُعلن فيها عن هدنة جديدة عقب مغادرة بوتين لدمشق ولقائه بأردوغان، وعلى الرغم من الحديث عن هدنة طويلة في المنطقة إلا أن شيئاً رسمياً لم يُصرح به من الأطراف كافة، غير أن افتتاح شريان الغاز الروسي الجديد عبر الأراضي التركية لابد أن يتم بأجواء مرطبة بين الجانبين، وإملاء الهدنة الروسية على النظام السوري جاءت بطلب من بوتين كخطوة تكتيكية مرحلية كسابقاتها لا أكثر، ولا تغيير في جوهر سياسة الروسية بالتعامل مع ملف إدلب عبر سياسة القضم بالتقسيط لآخر مناطق خفض التصعيد.
أما رسالة بوتين الأخيرة من الزيارة هي للرأي العام الروسي، حيث قام بزيارة الكاتدرائية المريمية الأرثوذكسية، المذهب الذي يعتنقه غالبية الشعب الروسي مما يسهم في تحسين صورته في الداخل الروسي ويعطي مسوغاً إضافياً لمشروعية استمرار حروبه خارج الحدود.