ملخص لكتاب الإسلام والطاقات المعطلة للكاتب محمد الغزالي
عبد الله درويش
إننا كأمة كبيرة عريقة مكثنا طوال عشرة قرون تقريبًا، ومكانتنا في العالم موطدة، ورسالتنا فيه مشهورة، وليست هذه القرون سواء في ازدهارها وسنائها.
ومع تربص الأعداء وذهول المدافعين، جاءت القرون الأخيرة، فطوت هذه الأمة، وفضّت مجامعها، ونكست راياتها، وعاثت في تراثها!
لكن الأمة الإسلامية مزودة بدين عصيّ على الفناء، له قدرة على تغيير الروح الهامد، وتجديد الأسمال البالية، وهي مازالت تستشفي من سقامها، وتنتقل في مراحل العافية من طور إلى طور، وتحاول أن تستعيد قواها كلها، وتستأنف أداء رسالتها الأولى.
كيف لهذه الأمة أن تنطلق؟ وعلى من تقع المسؤولية؟ وما قيمة مواريثها الروحية والفكرية؟
وللجواب عن هذه الأسئلة لا بدَّ من إحصاء جملة من الرواسب المادية والمعنوية كانت سببًا في هذا التراجع والخمول، وهي:
– فساد عاطفة التدين.
– انكماش القيمة الإنسانية للفرد.
– انطفاء القوى العقلية.
– المروق الظاهر عن أغلب النصوص والقواعد الإسلامية.
ولنبدأ بشرح هذه الرواسب والعلل بتصرف واختصار ليسهل على القارئ الاطلاع عليها.
– فساد عاطفة الدين: فقد بالغ الدعاة وأهل التصوف في النهي عن حبِّ الدنيا، والافتتان بها، وما يزالون يحصون مثالبها، ويقبحون الاتجاه إليها، حتى أصبحت أيدي الناس صفرًا منها، وتراث التصوف حافل بهذه الأمور، كقولهم: لا يصح الإيمان إلا بنبذ الحياة، ولا تخلص الآخرة إلا بهجر الدنيا.
فترى العاصي الذي يريد التوبة يفكر أولاً بالانسلاخ عن الحياة، واعتزال الناس!
لقد استطاعوا بهذا التوجه أن يحدثوا تلفًا حقيقيًا في أجهزة الطبيعة الإنسانية، لأن صلة الإنسان بالدنيا لاصقة بفطرته: “المال والبنون زينة الحياة الدنيا”، والشارع الحكيم لم يطلب خلوّ النفوس من هواجس الدنيا، بينما يقول أحدهم:
فاخلع نعال الكون كي تراه وغض طرف القلب عن سواه
هذا التوجه أفرز الابتعاد عن التدين، والذهاب إلى أتون الإلحاد؛ لأن الشباب قارنوا فوجدوا العلم والتقدم بعيدًا عن الدين، وهو ليس كذلك، إنما تم تشويه التدين لينمكش عن شؤون الحياة.
– انكماش القيمة الإنسانية للفرد: ويتبع الكفر بالحياة وجهل وظيفة المرء فيها، الكفر بالإنسان نفسه، وبخس قيمته، وتشويه حقيقته، فإن المتدين المنحرف يسيء تصور الملكات والشهوات الإنسانية، وينظر إليها نظرة ازدراء.
وقد ينحصر تقويمه للإنسان في أنه تخلّق من نطفة قذرة، وينتهي إلى جيفة مذرة، وهو بينهما يحمل بول وعذرة !
صحيح أن الإنسان يحوي هذه الأمور، لكنه يحوي بين جنباته الروح أيضًا، والله تعالى خلقه خلقًا آخر، وإن كان المقصود كسر الغرور، فإن القوم قد جاوزوا الحدَّ ممَّا أضرّ بهذا المخلوق المُكرَّم الذي خُلقَ ليكون خليفة الله في أرضه، فذهب مع الغرور والكبر، عزة النفس، ومن ثم الشخصية الحرة المستقلة، كقولهم: “كن بين يدي الشيخ كالميت بين يدي غاسله.”
فإذا غاب الإنسان، فماذا يفعل الدين؟ ومن يقود؟
فالدين إن لم يسرِ روحًا يحرك قوى الإنسان وفكره، ويضبط حركته في الحياة، يصبح وهمًا لا تغني فيه الشارات والشعارات.
– انطفاء القوى العقلية: نتيجة الاستبداد الذي عاشته الأمة وتعيشه، انكمشت الحريات، وتراجعت القوى المادية والأدبية، وسيطر على موازين الحياة جبابرة قلبوا الأمور رأسًا على عقب، ونشروا الفزع، والوهن.
والحكم الاستبدادي تهديم للدين وتخريب للدنيا، فهو بلاء يصيب الإيمان والعمران جميعا.
ومن هنا كانت الوثنية الساسية حرب على الله وعلى الناس، وأن الخلاص منها شيء لا مفر منه لصلاح الدنيا والآخرة.
وفي الوقت ذاته فإن الحرية المطلوبة ليست في أن يستطيع الإنسان أن يقول ما يشاء، بعيدًا عن المعنى الحق، وتقويم الاعوجاج، وليست الحرية المطلوبة في القدرة على العبث واستحلال المحارم.
إنما الحرية التي يحتاجها العالم الإسلامي تعني إزالة جميع العوائق من أمام الفطرة الإنسانية عندما تطلب حقوقها في الحياة الآمنة، الكريمة، العادلة.
– المروق الظاهر عن أغلب النصوص والقواعد الإسلامية:
المجتمع الإسلامي من أزمنة متطاولة ضللته أحكام خاطئة، واستولت عليه صور ذهنية وقلبية ما أنزل الله بها من سلطان.
فكم من أشياء تناولها الناس على أنها دين، وفي الحقيقة هي أوهام، أو مجرد آراء.
إن البُعد عن الشرع، وإعطاء القداسة لآراء أشخاص تُحبس الأمة رهينة آرائه، لهو أمر لم يفرضه شرع ولم يقل بأن هذا الرجل هو الشرع.
ولقد نهانا الله عن اتباع الظنون العائمة، أو احترام الخرافات القائمة، فقال الله تعالى: “ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤول”.
إن حال الأمة الإسلامية وما هي عليه من تشرذم وتفكك لا يخفى على أحد، ولكن لا بدَّ من التغيير الإيجابي الذي يأتي بالحلول، ويجمع الجهود، ومن ثم ينطلق بالعمل الدؤوب، لإحقاق شريعة الله في الأرض والذود عنها، واستثمار الطاقات، ومواكبة ركب العلم والتطور، ونبذ كل دعوى للجهل، والتخلف تحت أي دعوى كانت.