على حين غرة ومن دون سابق إنذار كان التقدم التركي في مدينة جرابلس في خطوة هي الاولى من نوعها منذ بداية الثورة السورية, خطوة يعزوها البعض للتقارب الروسي التركي وللدور التركي الجديد الذي أعلنت أنقرة عن البدء به, و هذا ما رأيناه مترجماً بلكنة ركيكة أو بأخرى فصيحة من خلال زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى أنقرة, والذي أعقبه إشراك الطيران الأميركي الذي قام باستهداف مواقع التنظيم في جرابلس بتنسيق كامل مع القوات التركية وبتوغل من الجهة الأخرى قامت به بعض الفصائل السورية التي شاركت هي أيضاً بالحملة, إذاً هو تحرك عسكري مدروس باشتراك كافة الأطراف, وقد تكون دراسة إقتحام مدينة جرابلس الصغيرة وأبعادها أصعب على أميركا وأكثر حذراً من احتلال افغانستان مثلا !
وبما أنها خطوة فريدة من نوعها فلا بد أن تحقق أنقرة الكثير من الأهداف أولها إبعاد تنظيم الدولة الذي أصبح يشكل خطراً حقيقياً على الدولة التركية, وذلك لسيطرته على أبرز المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا ولقيامه بتفجيرات هددت الأمن القومي للدولة, إذ تهدف العملية بحسب وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو إلى إبعاد تنظيم الدولة عن شمال سوريا وإجباره على التراجع إلى الجنوب, وقد نجحت عملية السيطرة على جرابلس في غضون ساعات قليلة, ولتنتهي المرحلة الأولى من المعركة التي أطلق عليها اسم “درع الفرات”.
وثاني الأهداف وأبرزها هو إعادة ذكر الخطوط الحمراء التي رسمها أردوغان لقوات سوريا الديمقراطية والتي تحظر عليهم عبور نهر الفرات, ويبدو بأنه جاء الوقت لمعاقبة الأكراد على تجاوزهم لهذه الحدود خاصة بعد سيطرتهم على مدينة منبج وتطلعهم للسيطرة على مدينتي جرابلس والباب ليكونوا على بعد خطوات قليلة من بناء حدود “روج افا” المزعومة, لذا فإن العملية جاءت لتحقيق هذا الهدف أي إرجاع قوات ال “pyd “, وهذا ما عبر عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مؤتمر صحفي حيث أكد بأن تركيا ستستخدم كل إمكانياتها في سبيل الإبقاء على وحدة سوريا, ولعل اسم العملية “درع الفرات” هو أبلغ رسالة لحزب الاتحاد الديمقراطي بأن الحملة هي لرد كل من يتجرأ على تجاوز نهر الفرات
وقد أكد هذا المسعى نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أكد على دعم تركيا لإرجاع المقاتلين الأكراد ,وهذا ما قد يكون بادرة على إنتهاء دور الصبي “pyd”كخادم عند أميركا وقد يكون أيضاً مجرد مسلسل لأميركا التي تحب العزف على جميع الأوتار, في كلتا الحالتين فإن ما يهم تركيا الآن هو تحقيق هدف الحملة.
و قد يكون ما حصل هو لنفاذ صبر الحكومة التركية التي بدأت تشعر بأن الأمور قد تفلت من يدها خاصة بعد الاعتداءات المتكررة من قبل تنظيم الدولة وقوات الحماية الكردية, والتي انتجت مسلسلا قاسيا من التفجيرات التي هزت اسطنبول وأنقرة و مدينة غازي عنتاب ,ولتكون هذه العملية بمثابة عصفورين بحجر واحد ضرب التنظيم وطرد الأكراد وإرسال رسالة اطمئنان للشعب التركي بأنا هاهنا وسنرد على كل ما يمس تركيا.
أيا يكن ما حصل وأياً تكن الأهداف فلا يزال من المبكر قراءة الأبعاد الكاملة للعملية وتحديد أهدافها فإن ما قد يحضرنا من تحليلات نبنيها من خلال الخرائط السريعة التغيير في سوريا قد لا يكون كافياً لتحليل ما يحصل, وستثبت الأيام القادمة الكثير مما تخفيه لنا الضحكات الصفراوية التي يخفيها الساسة في اجتماعاتهم.