للقصة في حياتنا دور موثر، وغالبًا ما نشعر بالمتعة بعد استماعنا لقصة مفيدة، فقديمًا كان للحكواتي دور مهم في حياة الناس، يستمعون إليه بشغف ويعيشون حكاياته بكل تفاصيلها، أما اليوم وعلى مدار الساعة فإننا نرى ونسمع مالا يحصى من القصص الإخبارية والتلفزيونية، ونتفاعل مع قصص المواقع الإلكترونية، وطوال الوقت نتداول القصص الشفهية عن طريق السرد والنميمة ونقل النكت والشائعات وتحليل الأحداث وإبداء الآراء وغير ذلك.
من الواضح أننا جميعا نروي القصص كأننا موجة إذاعية عريضة تحمل ما هو سطحي وما هو شديد العمق، لكن لماذا نحتاج إلى القصص؟!
إننا نحتاجها لتساعدنا على فهم عالمنا بشكل أفضل، لنفهم الماضي والحاضر ونتمكن من شق طريقنا نحو المستقبل.
إن من أبرز أهداف رواية القصص حاجة الراوي للتواصل مع الآخرين، فكلُّ من يروي قصةً أو حكايةً أو طرفةً فإنه يعلن بشكل غير مباشر عن حاجته الإنسانية للتواصل والتفاعل مع من حوله، سواء كان جمهورًا أو شخصًا واحدًا.
إن العديد من الحضارات الإنسانية استخدمت القصة لتعليم أخلاقيات العيش في المجتمع وانتقال التقاليد والأعراف من جيل إلى جيل.
بالإضافة إلى أن رواية القصص هي أفضل طريقة للتواصل مع عالم الخيال خاصة عند الأطفال.
في القران الكريم قَصص كثيرة لا تمحى من ذاكرتنا، وكثيرًا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلِّم أصحابه بطريق القَصص فتكون خطابًا للنفس من تجارب الغير تُعطي العظة والعبرة دون أن تجرح المتلقي أو تحرجه، كما أنها تطرح حلولاً واقعية أو تقود إليها بطريقة غير مباشرة.
كما أن استخدام أسلوب القَصص يساعد على إيصال الأفكار وحفظها بشكل أفضل، وتنمية واستثمار عامل التشويق، وفي ذلك تسلية للنفس عن واقعها وبلائها.
ومن أقصر ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم من قَصص نحفظها، ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بينما كلب يطوف ببئر يكاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت خفها فسقته، فغفر الله لها.” إضافة إلى حديث من تكلموا في المهد، ومن أغلق عليهم الغار، وغيرها كثير. وباستقراء الأحاديث النبوية التي استخدم فيها أسلوب القَصص نجد أنها قصص قصيرة مركزة تصب في خدمة الفكرة التي سيقت من أجلها بشكل واضح ومباشر.
وكذلك هي القَصص في القرآن الكريم، حيث ركزت على المغزى العام والعبرة الأساسية دون تشتيت المتلقي بذكر تفاصيل لا تخدم الهدف الرئيس.
ولنا في قصة أهل الكهف خير مثال، فقد أغفل القرآن الكريم عدد الفتية في الكهف توجيهًا لنا للتركيز على الحكمة والعظة النافعة من قصة أصحاب الكهف، وعدم الانشغال بما لا ينفع من تفاصيل.
بقي أن نشير إلى فرق مهم قد لا يعرفه البعض وهو أن القَصص هي ما أخبرنا به القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم من أخبار صادقة بكل تفاصيلها وشخصياتها، بينما القِصص هي مؤلفات بشرية شفهية أو مكتوبة يمتزج فيها الواقع بالخيال.