ليس عنواناً مفاجئاً، ولكن ربما يكون حقيقة صادمة، .. بدأت الثورة قبل أكثر من خمسة سنوات بمظاهرات سلمية، كان لها جميعها هدف واحد ورؤية واحدة، وهي إسقاط النظام.
في منتصف عام 2012 أوشك النظام حقيقة على السقوط، تداعت أركانه وبدا هزيلاً ووقف العالم بغالبيته إلى جانب ثورة الشعب السوري، التي صارت أيقونةً للحرية والكرامة، وعندما أوشكنا على النصر بدأت تدبُّ فيما بيننا خلافات الغنائم، .. صمد النظام قليلاً، فبدأنا ننهار واختلفنا على كل شيء ..
طفت على السطح سريعاً خلافاتنا الإيديولوجية والمصلحية وحبنا للسلطة، ومزاجنا الثوري الذي يريد مقابل تضحيته مكاسباً كثيرة، وكأنه ضحى من أجل المكاسب لا من أجل الوطن، وكله باسم الثورة .. ورويداً رويداً بدأت الثورة تختفي، لتظهر المشاريع وتتقاتل على الأرض .
ما أقوله ليس سرداً تاريخياً يعرفه معظمنا، وإنما هو الحقيقة الصادمة التي توصلنا إليها، .. مع مرور الوقت خرج النظام من دائرة الاستهداف، بتنا مستسلمين لفكرة رائجة وهي إن إسقاط النظام عمل دولي ليس لنا شأن فيه، وأصبح الجميع يدّعي أنه يفكر بطريقة استراتيجية بعيدة المدى، وبنظرة ثاقبة إلى المستقبل، ويعمل لما بعد سقوط النظام، أو لما بعد الحل السياسي كما هو رائج مؤخراً .
انقسمنا فريقين تقريباً .. فريق يعمل من أجل تلبية احتياجات الأزمة وفريق آخر يعمل لما بعد النصر، أو التهدئة، واختفت الأعمال التي تهدف إلى إسقاط النظام مباشرة، .. حتى المظاهرات لم تعد تراهن على دورها في إسقاط النظام، بل أصبحت مجرد أداة تقول أن الثورة مستمرة في نفوس أبنائها، وهي أداة صادقة، لولا أن القسم الأكبر من أبنائها، شغلتهم أعمالهم عن صناعة النصر، واشتغلوا في صناعة أثواب النصر وزينته، وكأنه قادم لا محالة.
ولكن لا بدّ أن ندرك أن النصر الذي يأتي لوحده، سيأتي على مقاس من جلبه، لا على مقاسنا، والانتصارات الحقيقية تصنع ولا تأتي، ولا بد من مشروع تشترك فيه كل قوى الثورة يكون هدفه اولاً وآخراً، إسقاط النظام بدون أي إضافات، إذا أردنا أن يعود النظام إلى دائرة الاستهداف .
قد يقول قائل: إن إسقاط النظام أمرٌ يفعله العسكريون فالأمر تحول إلى حرب ليس لنا طاقة بها، هنا لا بدّ له أن يراجع ذاكرته قليلاً ليرى أن العسكريين بالكاد يخوضون معاركهم الدفاعية عن ما يسمى مكتسبات الثورة، إذا تجاهلنا قتالهم واختلافاتهم مع بعضهم، وإن جميع معاركهم الهجومية تنطلق من مبدأ أن أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم، أو لاسترداد مكتسبات الثورة التي تم سلبها أيضاً، هذه المكتسبات التي حولت أهدافنا من إسقاط النظام كمهاجمين، إلى مدافعين عن أشياء لا نملكها حقيقةً ما دام هذا النظام موجوداً في دمشق.
إذا أردتم النصر يا سادة .. فأعيدوا النظام إلى الواجهة، واعملوا جميعكم على هدف واحد، واتركوا المستقبل ليأتي كما يشاء، وأريحوا أنفسكم من تلك النظرة الثاقبة إلى الغد ما دمتم لا تمتلكون اليوم .
المدير العام / أحمد وديع العبسي