علي سندة |
حكمٌ ودرر كان يُلقيها في تعليم التعامل مع المرأة أمام بعض الشباب قُبيل اقتراب زفاف أحدهم، يُخيل لك كأنه يغرف من بحر كجرير ابن الخطفي في شعره من سرعة رده حول كل الاستفسارات، فهو صاحب خبرة بأسلوبه الفذ الذي عجزت عنه البلاغة، إذ إنه لم يأتِ بالحكم والأمثال ويطبقها إلا من خلال ما أورثه إياه والده عبد العليم نقلاً عن المرحوم جده لقمان عبد الحكيم، لأن (حج نصوح الغالي) بطبيعته يعرف أن لكل مقام مقال، وحتى أنه يعرف قدر اسمه فلا يُمسك عن نصيحة أو يبخل بها وكله ابتغاء وجه الله، والنصيحة كما قال (أهل أول) كانت بجمل لكنه، ولله دره، استغنى عن الجمل في زمن قل فيه الناصحون. كانت خلاصة نصائحه وحكمه في التعامل مع المرأة في حديثه المنظوم كعِقد ثمين تلك النصيحة التي توسطته فاعتبرها خلاصة قوله وبابًا لسد الذرائع بحسب قواعد الفقهاء، يقول حج نصوح ناصحًا: (لك يا ابني المرأة قبرها بيتها بالحياة!) وقد عنى بذلك ألّا تدع المرأة تخرج من بيتها لأي غرض! فهل لك، أخي القارئ، أن تتفكر معي ببلاغة تلك العبارة التي أعجزت (سحبان التميمي) عن الإتيان بفصاحتها وجعلت شمس البلاغة تشرق من مغربها؟! ربما يقول أحدهم: فعلاً إن من البيان لسحرًا والبلاغة في الإيجاز وقد أوجز حج نصوح وبلغ الرسالة وأدى الأمانة التي حملها بالتوارث، وربما يقول آخر: إن من الجهالة لتدميرًا!
يا عمي حج نصوح مع احترامنا لعمرك والقدامى الذين تنقل عنهم ومن باب حفظ التراث الذي طالما حمل معه الحكمة والأدب ومكارم الأخلاق من تجارب الذين سبقونا، تنتظر الأجيال أن تسمع منك ما يسمو بالمرأة في باب النصح بكيفية التعامل معها بلا عنتريات وموروث خاطئ، ألم تكن السيدة والدتك تخرج من قبرها بكفنها الأسود إلى الشارع قاصدة حمام السوق مثلاً؟ ألم تكن وسمياتها من النساء ينزلنَ إلى الأسواق ويشترينَ ما يحتجنَ أم أن المرحوم والدك كان يقوم بذلك بالنيابة عنها؟! ألا تدري أن السيدة خديجة أم المؤمنين كان تاجرة والخنساء رضي الله عنها كانت شاعرة، وأم المؤمنين عائشة أورثت الفقه نقلاً عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! حتى في الجاهلية لم يكن قبر المرأة بيتها، فما بالك اليوم في الإسلام؟!
ربما أُريد من مقولة (قبر المرأة بيتها) نصح الأم لابنتها في كيفية تعاملها مع زوجها من باب المبالغة في النصح لها للصبر على انفعالاته وغضبه والتحمل، وسبق أن سمعت ذلك من الجدات. لن نخوض في هذا المقام بكيفية العلاقة بين المرأة والرجل وماهي الحقوق والواجبات المتعلقة بكل منها، لكن حسبنا القول إن أسلوب التعامل مع النساء لا بد من تشكيله في ضوء ما أتى به الإسلام كما قال تعالى: “وعاشروهن بالمعروف” فهل جعل البيت قبرًا لها معروفًا؟! وكم من امرأة كان بيتُها قبرًا لها في حياتها لم تخرج منه إلا مكفَّنة هذه المرة بالأبيض إلى قبرها الآخر حيث المقبرة التي ستضم الجميع!
إن موضوع معاملة المرأة أسلوب ممنهج تكوينه ما جاء به الإسلام، وأدواته في التطبيق وتنفيذه يختلف من شخص لآخر كل حسب شخصيته وما يعرفه تجاه شريكه في الحياة، فكن أنت في أسلوبك لتفوز ومن تعامل بالنعيم في الدنيا والآخرة لا كما يخطه لك الحاج نصوح الغالي..