مريم إبراهيم |
في مخيمات أطمة يجلس (أبو مازن) وحيدًا أمام خيمته التي أصبحت مسكنه الجديد، وقلبه يعتصر ألمًا لوداع منزله مرتين الأولى عندما نزح من ريف حماة الغربي من قريته (كريم) منذ خمس سنوات عندما احتلتها مليشيات الأسد، والأخرى عندما نزح من ريف إدلب الجنوبي في الحملة العسكرية الأخيرة، فنقل أثاثه إلى خيمته التي لا تكاد تتسع عائلته، خوفًا من المجهول.
(أبو مازن )47 عامًا يصف لحبر رحلة نزوح وتخوفه بقوله: “قام النظام باحتلال قريتي (الكريم) في ريف حماة الغربي منذ خمسة أعوام، وبعدها نزحت إلى بلدة (ترملة) في الريف الجنوبي، فقمت بشراء قطعة أرض وبنيت فوقها منزلاً يؤويني وعائلتي، وأعدت تشكيل حياتي، وها أنا اليوم أقوم بترحيل أثاث منزلي هذا إلى المخيمات، لأنني أخاف كثيرًا أن يتقدم النظام، ويقوم بسرق ممتلكاتي مرة أخرى، خاصة أن الفصائل أو أي أحد ممن هو في موقع المسؤولية لم يخبرنا بشيء هل نبقى أم ننزح؟!”
ليس حال (أبو مازن) هو الوحيد في الريف الإدلبي، فهناك آلاف المدنيين الذين لم يتجرؤوا على الذهاب إلى منازلهم حتى أن أعلنت هدنة نسبية، فأقبل العدد منهم على الذهاب إلى قراهم وبلداتهم ليحملوا ما يستطيعون من أثاث منازلهم خوفًا من تقدم النظام.
التقينا الأستاذ (أحمد العرفان)50عامًا من سكان قرية كنصفرة للاستفسار عن أسباب نزوح العوائل من قراهم التي باتت هدفًا قادمًا لمليشيات الأسد: “نحن لم نعد نثق بأحد أبدًا، فقد تخلى الجميع عنا، لم نعد نثق بمؤتمرات جنيف وآستانة، لم يعد لنا أمل سوى بالله وحده، وهذه الهدنه كانت نسبية وسرعان ما انتهت، وأنا كفرد من أبناء ريف إدلب ، ذهبت أول الناس إلى منزلي الذي عشت فيه أكثر من 25عامًا، وقمت بخلع نوافذه وأبوابه وجمعت كل أثاثه، خوفًا من تقدم النظام وسرقته، أو عودة القصف وهدم المنزل فوق أثاثه، وكذلك حال كل الناس في ريف إدلب الجنوبي، خوف يتملكهم جراء انعدام الثقة وتقدم النظام.”
ينهي حديثه عرفان بحرقه تخرج من قلبه وهو يقول: “لا يريد أي إنسان أن يخرج من منزله، فما بالك أن يُخرج أغراضه التي تعب وشقي في الحصول عليها لكي يؤمن لعائلته حياة كريمة، لقد تعبت جدًا في تشييد هذا المنزل، وقد ضمني وعائلتي، فراق منزلي أشبه بالموت ولا أحد يدري لعله يكون اللقاء الأخير.”
أما (أبو ياسر)40عامًا من بلدة (قلعة المضيق) في ريف حماة الغربي يقول: “خرجت من منزلي منذ خمسة أشهر على أمل العودة ولكن النظام قام باحتلال البلدة في المعارك الأخيرة ، ولم أستطع العودة أثناء الاشتباكات خوفًا من القصف الذي كان مركزًا على الطرقات، لم أستطع إخراج شيء من منزلي بحكم أن قريتي كان الوصول إليها أشد صعوبة من غيرها، لكن حرضت جميع من أعرف من الريف الجنوبي لإدلب، أن يذهبوا ويحملوا أغراضهم، فالمعيشة غالية، وكل الأغراض التي ستقوم بشرائها لتكملة الحياة اليومية ستكلف الكثير من المال الذي لا يملكه الناس بعد أن تركوا مصدر رزقهم المتركز بأراضيهم الزراعية، يجب على الجميع ألا يثق بوعود النظام وحلفائه، ولا بالهدن، لكيلا يتجرعوا مرارة ما عانيناه.”
شعب فقد كل ما يملك، حتى الأمل فُقد من عيونهم، لم يعودوا يتمنون شيئًا سوى السلام، وأن يناموا مطمئنين في أي مكان، منهم من استطاع الوصول إلى منزله وأخذ ما يستطيع منه قبل احتلاله، ومنهم من لم يستطع، وآخرون تعلموا من تجارب غيرهم في النزوح فاستبقوا الأحداث ونزوح مع أثاثهم ليحتضنهم مرة أخرى في خيمة أو ربما في يخفف عنهم العراء والبراري وسط تخوف كبير وأيام قادمة عنوانها المجهول.