إنَّ من أكثر ما يتميز به القرآن الكريم هو القصص التي تتحدث سواء عن الأنبياء وما مروا به من مواقف وصعوبات، أو غيرها من القصص المليئة بالعبر والحكم التي هي بمثابة مرشد لنا في الحياة… فالتاريخ يكرر نفسه، وإن اختلف الزمان والمكان، فالإنسان هو نفسه بشخصيته وتكوينه وطبعه…
لكن قصص الأنبياء لها خاصية تختلف بها عن أخواتها الأخرى من القصص، فكما أنَّها تدعمنا وتصقل مهاراتنا في التعامل مع الآخرين، فإنَّها في الوقت نفسه تمدنا بالصبر والثبات عند الشدائد والصعاب، خاصة أنَّ الأنبياء هم خير قدوة لنا في طريق دعوتنا إلى الله…
فكما وجَّه الله قوله للنبي مشيراً لأهمية قصص الأنبياء وأثرها في حياته بقوله:( (وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هذه الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ))، فإنَّ هذا الخطاب موجه لنا في الوقت نفسه…
وإحدى أكثر القصص التي تعلمنا منهجية تعلم الدين هي قصة سيدنا إبراهيم مع ربه، حيث سأله عن كيفية إحياء الموتى ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الموتى ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بلى ولكن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)) على الرغم من قصر القصة حيث ذكرت في آية واحدة، إلا أنَّها تحمل في ثناياها الكثير من معاني الإرشاد والموعظة والتعليم في الوقت ذاته.
أوَّل ما يثير الانتباه أنَّ نبيا كإبراهيم يستفسر ويسأل الله عن كيفية إحياء الله للموتى، فنتعلم هنا أنَّ التساؤل ليس بالشيء المحرم وخاصة بدين كدين الإسلام، والأمر الآخر أنَّ الله يردُّ عليه قائلاً أولم تؤمن؟! أو لم تؤمن يا إبراهيم وأنت النبي الذي يوحى إليك؟! فيرد قائلاً: بلى، ولكن ليطمئن قلبي، فنستوحي من خلال كلماته هذه مدى الثقة التي يتحلى بها، ربَّما هي ثقة نابعة من إيمانه بالله بأنَّه لن يضيعيه، وربَّما هذا أكثر ما نفتقده في حياتنا…
ولا شكَّ أنَّ هذه الآيات تتحدث عنَّا أيضاً، فنحن أيضا نتساءل ونستفسر عن أمور كثيرة في الدين، لكن ما نختلف فيه عن النبي إبراهيم هو الثقة وقوة الإيمان التي يمتلكها، فهو يعترف قائلاً بلى يا إلهي أنا أؤمن بك وبقدرتك وعظمتك، لكني أتساءل ليبقى قلبي مطمئناً، وليزداد إيماني أكثر فأكثر.
فتأتي هنا تكملة الآية لتعلمنا عدم رجم المتسائل بالشتائم واتهامه بالإلحاد والكفر، وأن نطمئن قلبه بأدلة عقلية ومنطقية أو عن طريق التجربة كما أخبرنا الله في كتابه: ((قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ على كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) لم يعاتبه أو يؤنبه الله على سؤاله، وهذا ما يريده الله منَّا أن نفعله في حال واجهنا موقفا كهذا أيضاً ((وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ))، لا تنهره أو تجعله ينفر من الدين، بل ساعده ليقترب منه أكثر وليزداد إيماناً مع إيمانه.
ربَّما البعض يفضل ألا يتساءل، ويفضل التسليم المطلق وعدم الخوض في مسائل الدين، فهو يشعر بأنَّ تساءله هذا وبحثه سيودي به لمتاهات لا مخرج منها، فاختلاف شخصياتنا يؤدي لاختلاف مفهوم الاطمئنان والتدين لدى كلٍّ منَّا أيضاً.
ما أحوجنا لأن نتعلم من قصص الأنبياء ما يساعدنا على تجاوز عقبات الحياة، وخاصة في زماننا هذا، حيث اختلطت المفاهيم ببعضها، وبدل أن نتكاتف لنصل معاً لفهم أوسع وأعمق للدين، فإنَّنا نزداد تفرقاً وتباعداً باختلافاتنا وتكفيرنا لبعضنا البعض.
ما زلت أؤمن بأنَّ حالنا لن تصلح ولن نعود لرشدنا ما دامت علاقتنا بالقرآن علاقة سطحية لا تقدم ولا تؤخر شيئاً في سبيل نهضتنا من جديد.