مع بداية العام الجديد قبل أيَّام رأينا كيف تقاذفت الأفواه الاتهامات، وتهاوت سبَّابات العباد تهدد فيما يتعلَّق برأس السنة وما إذا كانَ يجب تخصيصُه بشيء من الفرح أو الاستثنائيَّة.
نحن اليوم لن ندخلَ ذلك السجال وتلك الطواحين، فقد طُحنَ العباد فيها حتَّى ملُّوا، وأساء ناصحونَ سلوكَ فجِّها فنفَّروا وأبعدوا واشتغلوا بالثانويَّاتِ متناسينَ الأساسيّات والركائز.
دنيانا التي نعيش فيها تتَّخذ من التقويم الميلاديّ مرجعاً زمنيَّاً لأحداثِها، به يُدير الناس حياتهم ومن خلاله يتعايشونَ مع واقعهم.
فلهذا التقويم تأثير على ذواتِنا حاضراً ومستقبلاً، وبمجرَّد أن يُدرك الإنسان ذلك يتحتَّم عليه الاحتفال، لكن بالطبع بأسلوب مختلف.
ذلك الاحتفال ليسَ عقائديّاً، ولا يكون بإطلاق الألعاب وتبادل ما سيتْلفُ من أغراض. لكنَّه احتفالٌ قد خُتِمَ عليه بلفظ حلالٍ، فاطمئن.
نعم، احتفالُك فيه أيُّها الإنسان يكون عبر زراعة روحِك بالأحلام، تلكَ الروح القاحلة التي اشتاقتْ للحياة، أحلامٌ تُنظّم لك مسيرتَك فيه، وتؤمّن لكَ محطَّاتِ وقودٍ كي لا تتوقَّف إرادتُك في الطريق فجأة.
نعم، فنحن نعلم أنَّ عزيمة الإنسان في عيش حياتِه ليست على سويَّة واحدة، أحياناً تكون قويَّة وتدفع الإنسان للإنتاج، وأحياناً تنتكس وتصاب بالوهن فيأتي هنا دور الأحلام التي تقفز إلى مخيّلته بمجرَّد أن تشعر بالخطر، وقتها سيتفكَّر ذلك الإنسان فيها وفي جمال صورته المستقبليَّة التي رسمها من خلالها، وسينشحنُ تلقائيَّاً بقوَّة الإرادة الإنسانيَّة وينتفض بطبيعته البشريَّة التي جُبلَت على طلَب الأحسن لكيْ يغيّر من واقعه ويسير بنفسه نحو الأفضل.
على أنَّ الأحلام يجب أن تكونَ مدروسة المقدار وضمن حدود المنطق، يجب تبنِّيها وفق أقصى درجات الحرص وعدم التسرُّع، لأنَّها إن شغلتْ أكبرَ من دورِها استحالت من ورود يانعة إلى خناجرَ تطعن ظهر صاحبها وصدرَه دونَ مقاومة منه لها.
منشأُ الداء أنَّ الإنسان يشعرُ بالأمان كلَّما نفخَ في أحلامه وآماله، يلجأُ إلى التستُّر على ضعف إرادتِه في تغيير الواقع من خلال تحميل أحلامه ما لا تحتمل، يمشي في ذلك الوهم فرحاً حتَّى يعضَّ على يديه ويعزفَ سنفونيَّة يا ليت.
أنا لا أريدَ لك أيُّها القارئ مآلاً كذلك، لذا أنصحُك بأن تُلجئ إلى عقلك باستمرارٍ مهمَّة ردّ جماحِ قلبِك ومبالغته في أحلامه إذا حلم، وذلكَ بلجم المنطق التي يُتحصَّل عليها من خلال معاينة تجارب غيرك وبلجم استشارة من حولك من الأكفَّاء.
في الختام، لِتعرفْ أنَّ أقلام الحوادث لا تزالُ رطبةً لأجل عامِك الجديد يا صديقي، فأمامها الكثيرُ لتكتب.
سجّل الآنَ داخلَك ماذا تريدُ من تلكَ الأقلام أن تكتب. آمنْ بها وتحرَّكْ. لا تستسلمْ ولن تكونَ بإذن الله تعالى في نهاية عامِك هذا إلَّا راضياً.