من هي أنتيجون؟ معنى اسمها (التي لا تتزعزع) هي ابنة أوديب أحد الأساطير اليونانية التي نعرفها جميعًا بعقدة أوديب بالإشارة إلى الشخص الشديد التعلق بأمه كما وصفها سيجمون فرويد، الحقيقة أن أوديب كان ضحية لعنة، حيث أخبر العراف لايوس وجوكاستا والدا أوديب أنهما سينجبان طفلاً سيقتل أباه ويتزوج أمه، نفى لايوس ابنه أوديب فور ولادته بقصد قتله، لكن شاءت الأقدار أن يربيه فلاح تربية صالحة، فيدرك أوديب عند شبابه أنه متبنى، ليذهب في رحلة للبحث عن والديه الحقيقيين، وفي رحلته يتعرض لحادثة كانت نتيجتها أن قتل أباه دون أن يدرك ذلك، ويستمر في رحلته حتى يصل إلى طيبة مملكة والداه، وبعد حل أوديب لغز أبي الهول استحق أن يتوج ملكاً على طيبة ويتزوج الملكة جوكاستا دون أن يدرك هو أو هي أنها والدته، كان نتيجة هذا الزواج إنجاب أربعة أطفال، ذكران بولينيكس وإيتوكليس وانثيين أنتيجون وإيزمين، بمرور الزمن تصاب المملكة بالطاعون، وأخبر العراف الملك أوديب أن قاتل الملك السابق لايوس يجب أن ينفى أو يقتل حتى تزول اللعنة عن المملكة.
بعد تحريات عديدة يكتشف أوديب الحقيقة فتنتحر جوكاستا على إثر اكتشاف الحقيقة، وعند رؤية أوديب جوكاستا معلقة ينتشل من ردائها دبوسين ويفقأ عينه لعدم رغبته في معرفة المزيد ويُنفى من البلاد.
يستلم أولاد أوديب بولينيكس وايتوكليس حكم مملكة طيبة، فكل ابن يتسلم العرش عاماً حسب الاتفاق، لكن إيتوكليس يرفض التنازل عن العرش عند انتهاء فترة ولايته مما دفع أخاه بولينيكس لقيادة جيش لمحاربة أخيه إيتوكليس، انتهت المعركة بموت الشقيقين واستلام خالهما كريون الحُكم الذي أصدر أمرًا باعتبار بولينيكس خائنًا وأمر بعدم دفنه.
عارضت أنتيجون أمر خالها كريون في حين لم تتجرأ أختها إيزمين على مخالفة حكم خالها فانصاعت لحكمه والتزمت الصمت فنجت في المقابل، حُكم على أنتيجون بالإعدام فقام بدفنها في كهف صخري وبسبب حب ابن خالها كريون لها أقدم على الانتحار عند قبر محبوبته أنتيجون التي ماتت على يد أبيه ولم تقترف ذنباً إلا أنها دفنت أخيها القتيل، كانت الصدمة كبيرة على زوجة كريون عندما انتحر ابنها من أجل محبوبته أنتيجون فانتحرت بدورها فشعر كريون بالذنب وأن الآلهة تعاقبه على ما فعل بأنتيجون البريئة التي كانت العصا التي يتوكأ عليها أبيها أوديب الضرير ولقت حتفها لإصرارها على إكرام جثة أخيها بالدفن.
استخدم الكاتب الفرنسي جان أنوي قصة أنتيجون لتكون رمزاً لرفض الظلم والتمرد الذي أراد أن يلمح له رفضاً لدخول النازيين بلاده فرنسا، فاستخدمَ أنتيجون لتكون رمزاً للشعب الذي يرفض الديكتاتورية.
وفي إسقاط على ما يجري في سورية فإن أنتيجون هي الشعب الذي تمرد على حكم الطاغية لإحقاق حق وهو سلب الناس حقهم الطبيعي في حياة ديمقراطية لرفض بقاء الظالم في كرسي الحكم بعد أن قتل أباه قبله كل من عارضه دون أي شفقة ودون أي داع، قاموا بتدمير حياة البشر فقط لحماية حكمهم الذي سيفنى عاجلاً أم آجلا مهما طال الزمن، فلكل أجل كتاب.
أنتيجون هي الشعب الذي دفن في الكهف وترك ليموت وحيداً، وإيزمين هي ردة فعل الدول العربية والأجنبية الذين تخلو عنه ليبقى وحيداً أما حكم طاغية يقتص منهم كما يشاء، ويحاصر الشعب ويقصفهم بلا هوادة ثم يتنفس الصعداء نشوة الانتصار حتى لو امتلأت أنفاسه برائحة الدماء.
يختم الحكيم تريسياس بقول كأنه يصف حالنا قائلاً:
“الآن هم مرتاحون، فكل من كان عليهم أن يموتوا فقد ماتوا، أولئك الذين كانوا يؤمنون بشيء، وأولئك الذين كانوا يؤمنون بعكسه، حتى أولئك الذين لم يؤمنوا والذين أحاط بهم التاريخ دون أن يفهموا شيئاً ماتوا جميعاً سواء تصلبوا لا جدوى منهم متعفنين، وهؤلاء الذين ما زالوا يعيشون سوف يبدؤون بنسيانهم في هدوء ويخلطون بين أسمائهم، لقد انتهى الأمر.”
إلا أ أمرنا لم ينتِه بعد، والقصة لم تنتهِ، وآخر فصل في حكايتنا لم يخطّ، حتى إن مات فيها الأبطال لكن فكرهم لم يموت، فالفكرة لا تموت بل تحيا حتى بعد موت أصحابها تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل، نحن لن ننسى لماذا قامت الثورة، ولن ننسى ما كان وما يكون حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.