فرات الشامي |
انطلقت يوم اﻷربعاء الثامن والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري جولة تحمل رقم 11 من مفاوضات أستانة حول الملف السوري، ويبدو كالعادة أنّ “المكتوب مبين من عنوانه”، ويختصر هذا المثل الشعبي الدارج مطولاتٍ كثيرة تتحدث عن مخرجات المؤتمرات التي تبحث الملف السوري، وجولات المباحثات بين ما يسمى بالنظام السوري وخلفه الدول الضامنة “موسكو، طهران”، وبين المعارضة المفككة وخلفها “أنقرة”. وتأتي هذه الجولة من اﻷطراف الضامنة ﻹعادة تثبيت اتفاق “المنطقة الآمنة” في إدلب، وتحويل هذا الاتفاق إلى “هدنة دائمة”؛ بحسب تصريحات عضو الهيئة السورية للتفاوض، يحيى العريضي، لـ “العربي الجديد”.
العاصمة الكازاخية “أستانة” شهدت سلسلة محادثات حول الملف السوري بلغ عددها حتى تاريخ اليوم أحد عشر مؤتمراً، تعيد إلى الذهن مقاربة مع السلسلة اﻷمريكية الشهيرة “دالس” التي لا يذكر البعض متى بدأت وكيف انتهت!!
كما تشير الوقائع على اﻷرض أنّ المؤتمرات التي تخص الملف السوري، انتهت بمعظمها إلى اﻻلتفاف على مطالب الشارع والمماطلة حتى فيما تم اﻻنتهاء إليه من مخرجات واتفاقات.
أما سياسياً فلا تمتلك المعارضة وﻻ النظام السوري أوراقاً ضاغطة لتقدمها على طاولة التفاوض، إﻻ أنّ كفة الأسد مرجحة على عكس كل المفاوضات السابقة، وﻻ يختلف اﻷمر عسكرياً، إﻻ أنّ ميليشيات اﻷسد أضعف من القدرة على الدخول في مواجهة عسكرية كبرى على اﻷرض مع المعارضة، بالتالي؛ يصبح هدف الخروقات العسكرية من جانب ميليشيا اﻷسد تحريك عملية التفاوض ﻹنجاز الاتفاق بشكل سريع لحسابها بعد أن بدت بوادر عودة حراك عسكري من درعا تحت مسمى “المقاومة الشعبية، كما يبدو واضحاً دور طهران في هذه الجولة بعد استشعارها أنها باتت شبه منعزلة عن المشهد.
إدراك هذه النقاط يدفع نحو المزيد من المؤامرات “اﻷستانية”، فالذي لم يتم تحصيله بالقوة الخشنة يمكن أخذه بالقوة الناعمة “السياسة والتفاوض”.
ولعل المتابع لخط مسيرة أستانة بجميع جولاتها يتضح لديه أنّ موسكو فاوضت لحماية نظام اﻷسد عبر إجراءات بدأت بتحويل وقف إطلاق النار إلى هدنة، ثم إلى مناطق خفض تصعيد، ومن ثم اﻻنفراد بكل منطقة منعزلة عن اﻷخرى عسكرياً، بعد كل جولة تفاوض كما حدث في درعا والغوطة الشرقية.
ومن المقرر أن تجري المفاوضات الحالية حول مجموعة من النقاط تتلخص بالتالي: “اتفاق إدلب لوقف النار، وموضوع إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، إضافة إلى اللجنة الدستورية، وتُولي المعارضة موضوع المعتقلين أهمية قصوى، كما أنها تربط بين موضوع إعادة الإعمار وعودة اللاجئين بضمان انتقال سياسي وفق قرارات الأمم المتحدة ومسار جنيف” وهذا ما أكده مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرينتيف، في الكلمة الافتتاحية: “العديد من المسائل ستُبحث في الجولة الحادية عشرة من مؤتمر أستانة حول سورية، بما فيها اللجنة الدستورية واللاجئون والأوضاع في إدلب”، مبيناً أنه “سيتم بحث اللجنة الدستورية والوضع في إدلب، ووضع اللاجئين، ومواجهة الإرهاب”، حسب قوله.
وفي سياق الحديث حول موضوع إعادة الإعمار وعودة اللاجئين تجدر اﻹشارة إلى أنّ المسألة “لا تتعلق فقط بمسار أستانة بل تتعلق برأي دول كثيرة منهم الدول المانحة التي ما زالت ترفض المشاركة وتربطها بالحل السياسي، ولذلك فإن مناقشة هذا الموضوع ستعود إلى المربع الأول وهو الحل السياسي” وهذا ما أكد عليه عددٌ من الشخصيات المعارضة في تصريحات سابقة لصحيفة الحياة وغيرها.
يذكر أنّ مباحثات أستانة جاءت بعد القرار الدولي رقم 2254، الذي جاء بدوره بعد إعلان جنيف، وكلا القرارين ينصّان على وقف إطلاق النار في الأراضي السورية. وترمي المعارضة من وراء حضورها هذه الجولة بحسب تصريحات عدة لمعارضين بارزين من بينهم د. يحيى العريضي، الذي بيّن أن الهدف الرئيس من مباحثات أستانة الجارية هو “تثبيت وقف إطلاق النار في منطقة إدلب بناء على اتفاق سوتشي، وإعطاء هذا الاتفاق إطاراً شرعياً من قبل وفد المعارضة السورية، لمنع بوتين من أن يصدّر روسيا على أنّها هي مرجعية الحل في سورية”. وكما يقال، أفلح إنْ صدق.
بالمحصلة؛ وكالعادة ما بعد كل جولة مفاوضات حصيلة معينة من التنازﻻت، تدفع للقول بأنّ ما بعد أستانة 11 تنازل جديد والحبل على الجرار.