يبدو أن مستقبل المنطقة لن يكون مرهوناً للقوى الإقليمية أو العالمية كما في الفترة الماضية، وأن التفاهمات الجديدة ستحضُر فيها الشعوب والقوى المحلية بقوة، فجميع الأنظمة العربية بدأت تتهاوى بعد أن انتهت غلةُ مواسم الحصاد الماضية التي حمت عروشها.
ما يحدث اليوم من ثورات في المنطقة العربية بعد أن شاهد الجميع جحيم الربيع في سورية، ونجحت الأنظمة في تصديره خلال السنوات الماضية كبعبع مخيف، مؤشر مهم على أن الشعوب قد بدأت تعاني جحيماً مضاعفاً تحت حكم هذه الأنظمة، وأن استحضار سورية وعلم ثورتها في كل تلك الانتفاضات إنما هو أيقونة على الاستعداد لذلك النوع من الجحيم مقابل الحرية واسترداد العدالة والحقوق.
من العراق إلى لبنان، يتم إعلان فشل المشروع الإيراني في المنطقة رغم ظهوره بقوة في سورية، لكنه لن يقدر على الاستمرار؛ لأنه لا يأخذ بحسبانه مصلحة الشعوب مطلقاً، وسيتهاوى بنيانه الطائفي؛ لأنه استغل الطائفة بشكل كبير دون أن يستطيع تقديم نصر حقيقي لجمهورها. كذلك في الجزائر وتونس ستنتهي السيطرة الفرنسية، وسيكون الخليج منطقة حيوية في الفترة القادمة للتنافس بين أمريكا وروسيا والصين، وربما الأخيرة هي من ستحظى به بعدما أعلنه ترامب كمناقصة، باستخدامه أسلوب التجارة الفجة في التعامل مع حكام المنطقة. والصين هي أفضل من يحسم المناقصات.
ستعود الثورة في مصر ولن تنتهي في السودان، وستشتعل في الأردن، وستستمر حرباً في سورية واليمن وليبيا، وربما سيزداد حجم المواجهة بين تركيا وأوروبا، ولا يبدو أن الأزمة التي تمر بها المنطقة ستنتهي قريباً، فلا أحد سينسحب قبل أن يحارب للنهاية، وهذه الحرب تطول جداً، وإذا لم تتعامل معها النخب الشعبية على أساس المصالح الإستراتيجية، دون إهمال للمصالح الوقتية فإنها ستجعل من الشعوب أكبر الخاسرين
المدير العام | أحمد وديع العبسي