سلوى عبد الرحمنبعد إغلاق تركيا كافة معابرها الرسميّة مع سوريا، وبدئها ببناء الجدار العازل، واتّخاذ إجراءات أمنيّة أكثر صرامة، انتشرت في الشمال السوري مكاتب للعبور إلى تركيا بشكلٍ غير شرعي والتي ربما يتعرّض الكثير من السوريين فيها للغش والاستغلال خلال رحلة بحثهم عن الأمان أو فرصة للعمل من قبل أولئك السماسرة، فلا حكومة ولا رقابة من الجانب السوري.لا يمكن لأي إنسانٍ أن يستوعب مدى معاناة السوريين على الشريط الحدودي إلا عندما يرى المشهد بأم عينه أو أثناء محاولته الهرب من جحيم الموت في سوريا سعياً منه لحياة أكثر أمناً. مئات السوريين من عدة مدنٍ ومحافظاتٍ مختلفة يفترشون الأراضي الزراعيّة تحت أشجار الزيتون بانتظار الوقت المناسب الذي يحدّده السمسار للدخول إلى تركيا، لا شيء جديد على المشهد سوى جرأة السوريين اللامحدودة ليصلوا إلى برِّ الأمان.في المدن الحدوديّة مع تركيا “حارم وخربة الجوز واليمضية ودركوش ” يكتظُّ المسافرون والسماسرة، وتنشط تجارة التهريب من سوريا إلى تركيا، يتقاضى السمسار مبالغ ماديّة باهظة وبالدولار الأمريكي، وتبدأ الأسعار من 200 حتّى 800 دولار أمريكي بحسب المسافة والرشاوي التي يدفعها السمسار للضابط التركي، وبحسب الدليل الذي ينتظر المسافرين على الجانب التركي بحدّ زعم المهربين، ربما يحاول المسافر العبور مراتٍ عدة حتى تتكلّل رحلته بالنجاح.خلال رحلة العبور إلى تركيا قد يتعرّض الهاربون من صواريخ وبراميل النظام وروسيا إلى الموت مرة أخرى، فثمة المئات من السوريين سقطوا قتلى أو مصابين برصاص “الجندرمة” التركيّة أثناء محاولتهم العبور بشكل غير شرعي عبر تلك الأسلاك الشائكة، أو قد ينتهي بهم المطاف في السجن بأحد المخافر التركيّة، فيضيع المال الذي دفعوه، ومن ثم يتمّ ترحيلهم إلى سوريا عبر معبر باب الهوى، والسعيد منهم تتكلّل رحلته بالنجاح ويتمّ الوصول إلى الداخل التركي بعد رحلةٍ شاقة. أبو عمر أحد السماسرة في مدينة حارم يعمل على تهريب الناس إلى تركيا تحدث لصحيفة حبر: ” ليس المسافرون وحدهم من يعرّضون حياتهم للخطر، بل نحن أيضا قد نتعرض للموت في تلك الرحلة الخطيرة بسبب تشديد الرقابة من قبل حرس الحدود التركية الذين قد نتفق مع بعضهم للعبور بأمان مقابل مبلغٍ مالي، ومعظم الأشخاص الذين أقوم بتهريبهم هم من الشباب، أما العائلات فأحاول تأمين طريق أكثر أمناً وسهولةً خاصةً ممن يحملون أطفالاً وأؤكد على المسافرين ضرورة عدم إصدار أي صوت أو إشعال أي إنارة والمشي صفاً واحداً وترك أمتعتهم في الطريق في حال تعرضهم لإطلاق نار، وما إن يحلّ الظلام نبدأ بالانطلاق “.وسام شابٌ صغير يبلغ من العمر 14 عاماً يحاول العبور إلى تركيا قال لصحيفة حبر:” حاولت العبور أكثر من مرة وفشلت، فطلبت من المهرب إعادة المبلغ الذي دفعته له وقدره 350 دولار إلا أنّه رفض بحجة توزيعه بين شركائه داخل الأراضي السوريّة والتركيّة ووعدني بأن يعيد لي المحاولة دون أن يتقاضى أجراً مرةً أخرى حتى أدخل إلى تركيا، اضطررت للموافقة لأعمل مع أصدقائي الذين أمنوا لي عملاً في فرن للخبز بأضنة لأساعد أمي بإعالة بقية إخوتي بعد أن توفي والدي في معتقلات النظام تحت التعذيب، وسأسعى للمّ شمل عائلتي بأقرب فرصة”.الجدير بالذكر أنَّ السلطات التركيّة أنهت بناء أكثر من ثلث الجدار العازل على الحدود المشتركة مع سوريا من أصل نحو 900 كم، يبلغ عرض كل جدارٍ مترين بارتفاع ثلاثة أمتار وبوزن سبعة أطنان، مصنوعٌ من وحدات خرسانيّة، كما تمّ تزويد الشريط الحدودي بأضواء وكاميرات ليلية وأسلاك شائكة إضافة لتعزيز عدد حرس الحدود. فهل سيكون هذا الجدار حلاً لإنهاء تدفّق آلاف السوريين بطريقة غير شرعيّة إلى تركيا؟وإلى أين سيهرب من تبقّى تحت وابل القصف؟! أم أنَّهم سيبقون عالقين في سوريا رغم الموت الذي يحيط بهم من كل حدبٍ وصوب؟! أسئلةٌ بات معظم أطفال سوريا يبحثون عند أحد والديهم عن إجابة لها، خاصةً بعد أن فشل مجلس الأمن بإصدار قرار يعمل من خلاله على إيقاف المجازر التي ترتكبها روسيا والنظام بحقّ مئات الآلاف من المدنيين.