تطالعنا في لبنان كل فترة صورة جديدة من مظاهر التعبير عن الكره للسوريين، لكن هل سألنا أنفسنا ما سبب هذا الكره؟ هذا المقال ليست غايته التبرير للتجاوزات الحاصلة ضد أهلنا المهجرين في لبنان، لكن غايته تسليط الضوء على قطيعة الرحم مع أشقائنا في دول الجوار التي أورثنا إياها النظام السوري منذ عقود.
قبل دخول الجيش السوري إلى لبنان كانت المجازر ضد المسيحيين، كمجزرة الدامور، لإجبارهم على التحالف مع سورية تتم عبر تنظيمات فلسطينية موالية لها كقوات الصاعقة، وفتح الانتفاضة وغيرها، والغاية من المجازر تعميق الشرخ اللبناني، وتكريس التدخل السوري كحقيقة واقعة، أما بعد الدخول السوري إلى لبنان فصارت المجازر سورية بامتياز، حيث كانت باكورة مجازر الجيش السوري مذبحة مخيم تل الزعتر الفلسطيني، ثم تنوعت المجازر السورية التي كان يُسمح فيها للجندي السوري بارتكاب كل الموبقات والمحظورات من اغتصاب وتعذيب وقتل وسرقة ضد اللبنانيين على اختلاف طوائفهم، وكذلك الفلسطينيين.
ومن المجازر التي قام بها الجيش السوري ضد اللبنانيين مجزرة ثكنة الفياضية ضد الجيش اللبناني في الرابع من شباط عام 1978، وقصف بلدة دير الأحمر في حزيران من العام نفسه، واقتحام بلدات القاع، وراس بعلبك، وجديدة الفاكهة، وخطف عدد كبير من أهاليها وتصفيتهم من قِبل مجموعات تابعة للاستخبارات السورية، وبين تموز وتشرين الأول عام 1978 قام الجيش السوري بمحاصرة بيروت الشرقية معقل القوات اللبنانية المسيحية فيما سمي بحرب المئة يوم، حيث تم خلال تلك الفترة قصف شديد لبيروت الشرقية وحي الأشرفية فقُتل وهُجر الآلاف من المسيحيين.
في شباط 1980 هاجمت القوات السورية بلدة قنات في شمال لبنان واقتحمتها بعد قصفها على مدار 6 أيام، وفي الشهر نفسه تم اغتيال الصحفي (سليم اللوزي) على يد مخابرات السورية، وكذلك اغتيال (رياض طه) عميد الصحفيين اللبنانيين، وفي عام 1981 حاصر الجيش السوري زحلة المسيحية وقصفها بعنف بحجة قتال (بشير الجميل) موقعا مئات القتلى.
ولم يَسلم شيعة لبنان من مجازر النظام السوري، خاصة بما عُرف بحرب الأشقاء التي حصلت بين حزب الله المدعوم إيرانيا، وحركة أمل المدعومة سوريا، والتي شهدت تدخلا عسكريا سوريا لصالح أمل ضد حزب الله تنظيما وحاضنة، مخلفا مئات القتلى من المدنيين.
لكن المجازر الأبرز التي ارتكبها الجيش السوري في لبنان لم تنل حقها من الضجة الإعلامية رغم أنها كانت بعنف وقسوة مجزرة حماة، ففي 20 كانون الأول عام 1985 بدأ الجيش السوري اقتحام مدينة طرابلس وما جاورها، التي كانت محاصرة من قِبله منذ عام 1983 واستمرت عملية الإبادة أسبوعين شملت طرابلس وما حولها، وانتهت بحصيلة 26 ألف شهيد، منهم 920 طفلا، واغتصاب حوالي 470 امرأة أمام عائلاتهن.
أما أهم مجزرة سورية ضد مسيحيي لبنان، كانت في آذار 1989حيث سيطر (ميشيل عون) على المناطق المسيحية في شرق بيروت، واستفاد من الدعم العسكري الدولي المقدم له، وحاول الجيش السوري دخول هذه المناطق، ولما عجز اكتفى بقصفها بشراسة موقعاً آلاف القتلى والجرحى والمهجرين من المدنيين المسيحيين، وحين أرادت أميركا كسب حافظ الأسد لصفها في حرب الخليج، سمحت له في تشرين الأول 1990 باقتحام مناطق عون المسيحية، فاقتحمها الجيش السوري ممارسا فيها هوايته ضد المدنيين اللبنانيين من قتل واغتصاب وتعفيش حتى لجأ عون للسفارة الفرنسية وهرب منها إلى فرنسا.
الكره اللبناني ضد السوريين قديم، قِدَم الدخول السوري إلى لبنان، وهو نتيجة تراكمات لحوادث قتل واغتصاب وتعفيش وسرقة وإذلال قام بها جيش النظام السوري طوال ثلاثين عاماً من وجوده في لبنان عبر عملياته العسكرية وحواجزه الأمنية.
لا نعني أن الكره اللبناني والتجاوزات الممنهجة ضد اللاجئين السوريين أمر مقبول ومرحب به، لكن القضية أعمق كثيرا مما يصوره البعض أنه مزاحمة على موارد البلد الفقير بها من الأساس، وننوه إلى أن من يقف خلف هذه التجاوزات ضد اللاجئين السوريين هم حلفاء النظام السوري في حربه الإجرامية ضد شعبه، وعلى رأسهم حزب الله.
صحيح أن حافظ الأسد مات، لكنه ترك لنا إرثا ثقيلا من الجرائم والتشققات الاجتماعية والسياسية داخل سورية وخارجها نحتاج إلى عشرات السنوات حتى نرممه، والأهم يحتاج معالجة جذرية نعترف بها بأساس المشكلة، كخطوة أولى لحلها، فهل ستكون الثورة على قدر من الوعي اللازم لتتغلب به على خطاب الكراهية ضد السوريين في لبنان، وتستثمره في إبراز جرائم النظام السوري المخبأة التي استهدفت اللبنانيين باختلاف طوائفهم؟