يوسف القرشي
إنَّ الغاية الرئيسية للدعاة في كلِّ زمان ومكان ينبغي أن تطابق غاية الرسل، ألا وهي إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وتمهيد الطريق لهم إلى الجنة التي كانت منزلهم الأول، والعمل القلبي والكلامي والفعلي لبلوغ ذلك.
ولأجل البلوغ بالأفراد إلى ذلك ينبغي العمل على بواطنهم وإحياء قلوبهم بروح شريعتهم، فالدين كما نعرف ليس مجموعة من القوانين البحتة المقتصرة على عالم المادة، لأنَّه في تلك الحالة يكون مطبقها سواء مع من يطبق أي قانون قد تمَّ وضعه من قبل البشر، إنَّما التقيد بقوانين الشريعة ينبع من وجدان المؤمن ومن شعوره الداخلي العميق بأنَّه مسؤول عن كلِّ تصرف أمام الله تعالى.
في تلك الحالة نستطيع الحصول على مجتمع قويم يوافق ظاهره باطنه ويستطيع البقاء، بل وتلك الحالة هي الأضمن للخروج من ثورتنا بأكاليل وأهازيج بعد أن مرَّت ستة أعوام من الهلع والفزع داخل كلِّ إنسان يريد أن تنتصر إرادة الشعب على إرادة الطواغيت.
نقف بعد مقدمتنا هذه على أعتاب سؤال جوهري سيرد لا محالة إلى ذهن القارئ وهو: كيف نحقق تلك الحالة ونبث روح الأخلاق والقوانين الشرعية داخل وجدان كلِّ مؤمن؟
للإجابة على هذا السؤال دعونا نأخذ مثالاً: لو أنَّ إنساناً اختطفته وكبلته، ثمَّ جئت بقارورة من أغلى أنواع العسل وأردت أن ترغمه على شربه، هل سيطاوعك في رغبتك تلك ويشرب؟ ثمَّ ولو شرب هل سيشعر بلذة العسل على حقيقته؟
سيكون صاحبنا ذلك مشدوهاً بهول الموقف مرتعباً، نافراً عن هذا الذي يحمل العسل متطلعاً للخلاص، فطريق الابتسامة والكلمة إلى القلب أقرب بكثير من طريق المنطق إذا كان مصحوباً بالشدة والغلظة.
الله تعالى أرسل نبييه موسى وهارون إلى فرعون، ووجههما إلى الطريقة الدعوية معه فقال: (فقولا له قولا ليِّناً لعلَّه يتذكر أو يخشى)، معقول ذلك؟ أمع فرعون الذي طغى وقال للناس: (أنا ربكم الأعلى)؟
نعم، الله تعالى أراد أن يعلمنا أنَّ اللطف والترفق هما أداة الداعي إليه، وهما السبيل الأمثل لنيل القلوب؛ أمَّا الدعوة إلى الله بصليل السيوف وأزيز (الكلاشنكوفات) فهي تصلح مظاهر العباد فقط دون البواطن، وكما نعلم فإنَّ الله لا ينظر إلى الظواهر بل إلى البواطن؛ ففي الحديث النبوي: (إنَّ الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم)، وإنَّه لن يكون الفرج لثورتنا ولا النصر بغير نقاء البواطن؛ قال تعالى: (إنَّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
هذا التغيير يحتاج منَّا إلى ترتيب الأهميات وإلى إعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه، فتحقيق أركان الإسلام الخمسة يجب أن تكون أول أهداف دعوتنا اللينة والرقيقة، ثمَّ ننتقل إلى الفروض التي تليها بعد أن نتأكد من أنَّ الفرد طبقها عن رحابة صدر واقتناع عقلي وقلبي، ثمَّ ننتقل إلى الواجبات وهكذا.
لا يصح مثلاً أن نترك نصيحة إنسان لا يصلي ثمَّ نهاجمه بدعوى امتلاكه مسبحة يذكر الله تعالى من خلالها؛ وقتها سيبتعد أكثر عن الشريعة السمحاء التي كانت لأجل سعادة الانسان وفلاحه.
أرجو أن يكون هذا المقال سببا في توعية بعض الأفاضل بضرورة التلطف والرفق مع الخطائين؛ فكلنا في النهاية بشر وليس البشر في النهاية إلا خطاؤون!