لا تزال روسيا تتحمل عواقب تدخلها في سوريا بعد أن أعلنت عن مرحلة جديدة لدعم نظام الأسد منذ عام مضى، ويأتي ذلك استكمالا للدعم السياسي والدولي الذي منحته روسيا للنظام وخاصة في المحافل الدولية، حيث كان الفيتو الروسي والصيني سداً منيعاً في وجه أي قرار دولي لإدانة النظام السوري.
وقد تمثلت المرحلة الجديدة بإنزال عدد من الضباط والخبراء والجنود والطائرات والبوارج الحربية على الأرض السورية متخذين من قاعدة حميميم العسكرية مركزاً لإطلاق الطائرات الحربية لقصف المدن السورية الخارجة عن سيطرة النظام، وقد استخدمت خلال هذا الوقت كافة أنواع الأسلحة و خاصةً المحرمة دولياً، فالفسفور الأبيض و غاز النابالم من الأسلحة الاعتيادية و الأكثر استخداماً، وقد كلفت هذه الحملة التي كان من المخطط لها أن تستمر ثلاثة أشهر الكثير بالنسبة إلى روسيا، حيث كان من المتوقع أن تَحسم الصراع السوري لصالح الأسد، ويعود الروس إلى بلادهم بمكاسب ضخمة وبعقود بخسة لاستثمار الغاز السوري علاوة على سيطرتهم في كل مقاليد الدولة، وليعيش بوتين حلمه في استعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي ويثبت للعالم بأنَّ روسيا لا زالت قوية وقادرة على منافسة أميركا والاتحاد الأوروبي، ولكن ما حصل كان عكس ذلك تماما، إذ اصطدم الروس بمقاومة عنيفة من قبل الثوار ولم يحققوا تقدماً واضحاً على الأرض، وقد خسر النظام في ظل وجودهم الكثير من المناطق، مما جعلهم في موقف دولي حرج وفي ورطة اقتصادية حقيقية، فخلال المدة المنصرمة أسقطت 9 مروحيات وقتل طواقمها، كما تمَّ إعطاب أكثر من 10 منها في مناطق عدة: (مطار التيفور، كفر نبودة، تدمر) ما أدَّى إلى تكلفتهم مصاريف باهظة ألقت بظلالها على الخزينة الداخلية للدولة التي تعاني من التخبط أساساً إثر تأرجح أسعار النفط والغاز، واستمرار الأزمة الأوكرانية، وانخفاض سعر الروبل الروسي، وإفلاس الكثير من الشركات نتيجة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، ولعلَّ أكثر ما خسرته روسيا هي شوكتها التي كُسرت بعد إسقاط سلاح الجو التركي لطائرة مقاتلة من طراز سوخوي 24 أواخر عام 2015 بعد أن اخترقت المجال الجوي التركي، ممَّا جعل روسيا في مأزق حقيقي بين ضرورة الرد لحفظ ماء الوجه، وبين كظم الغيظ لعدم قدرتها على فتح حرب جديدة.
كما خسرت روسيا الأرضية الشعبية التي توهمت بأنَّها كبيرة، حيث بات أغلب الشعب الروسي الذي يذوق مرارة التضخم الاقتصادي يشتكي من مساوئ هذه الحرب التي يعتبرها لا تهمه أصلاً.
إنَّ روسيا وضعت نفسها أيضا في سجل الأعداء التاريخيين للشعب السوري بعد أن ارتكبت مئات المذابح والمجازر، وبذلك تصبح الخسائر الروسية في هذه الحرب كبيرة مع توقع الكثير من المحللين إمكانية انسحاب روسيا من ضحالة المستنقع السوري، لتنقذ نفسها من رحى هذه الحرب التي أصبحت وبالاً عليها.