بقلم يسرى عبدو
إن الله تعالى إذا أحب عبداً ابتلاه، وإذا أحب قوماً امتحنهم، يقول الله تعالى (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون).
فكل ظرف يمر على سوريا الحبيبة هو امتحان لشعبها المؤمن الصادق، وها نحن في حلب الشهداء تحط ثورتنا قدمها في السنة السادسة، ولكن هذه الأيام هي الفترة العصيبة التي تمر علينا، إنها أيام الحصار، ونقص في المال والأنفس، وهذه الساعات تعادل الخمس العجاف الماضية بل هي أدهى وأمر.
ومع ذلك نرى أن الناس في هذه المناطق يعيشون حياتهم الطبيعية، ومن خلال مروري في الأسواق والحارات المزينة بالخراب التقيت الأستاذ مؤيّد الذي يبلغ من العمر اثنين وثلاثين ربيعاً وسألته، ماذا يعني لك طريق الكاستيلو؟
فأجابني بسرعة وبدون تردد: “إنه شريان الحياة وبدونه لا نستطيع العيش، فلقد تحملنا ظلم بشار وبراميل الموت والطيران الروسي الغاشم، وعلى الرغم من ذلك ما زلنا صامدين، ولكن انقطاع الكاستيلو يعني انقطاع سبل العيش في حلب.”
وقد استوقفني الشاب أيهم، وكان قد أتم الخامسة والعشرين من العمر، جاء ليقضي أيام العيد مع أهله، ولم يستطع العودة، ما كان لانقطاع الطريق من الأثر على نفسك؟ فأجابني ببساطة: “إرادة الله شاءت بمجيئي إلى هذه المناطق؛ لأكون ممن منّ الله عليهم بالزود عن أرضهم وعرضهم وإعلاء كلمة الله.”
فاسترسلت بالحديث معه وقلت له: ماذا لو فتح الطريق وكان آمنا، هل ستعود إلى آمالك المعلقة خارج حلب؟ فلم يستطع الجزم بالأمر ولكن تركه لصاحب الأمر.
نظرت من الطرف الآخر لأجد الطفل عبد الله الذي لم يتجاوز التاسعة من العمر، وقد كان يستمع بعقله وقلبه فصاح بدون سابق انذار: (إذا البراميل والقذائف والموت ما خوفونا بدنا نخاف من الحصار، وما رح نطلع وحنضل صامدين بإذن الله)، وغادرنا وهو يركض ويلعب وكأن شيئا لم يكن.
وكان هناك مجموعة ممّن يتهكمون وينظّرون، ويعيشون في مناطقنا، ولا فائدة منهم إلا تثبيط همم الصابرين والمرابطين، فأردت أن أتوجه لأحدهم بسؤال، فقلت للسيد ابو محمد: ما رأيك بما يحصل الآن؟
فقال وهو يلقي اللوم على المجاهدين:
” أين هم حينما كان الجيش النظامي يحشد لدخول حلب وحصارها ” فما كان مني إلا أن أبين له دور كثافة البراميل والقذائف في تراجع الجيش الحر، ولولا الضغوطات لما انسحب خطوة واحدة.
رأيت الأستاذ أحمد الذي يبلغ من العمر خمسة وثلاثين ربيعاً، فهو على سعة من العلم والثقافة ورحابة الصدر، فسألته فيما بين الأسطر ” بشكل غير مباشر”، برأيك ماهي أسباب الحصار؟
فتنهد قائلاً: “هناك سبب واحد وتندرج تحته الأسباب الأخرى، ألا وهو اجتماع كل المِلل على أهل الإيمان والتقوى؛ فخوفهم على دياناتهم المتفرقة والمختلفة من الزوال، وانتشار دين الإسلام باعترافهم يدفعهم لاحتلال بلاد الإسلام والمسلمين بطريقة مسيسة أو بأخرى، ومن ثم السبب السياسي وهو احتلال روسي إيراني بمباركة أميركية لبلاد الشام.”
أما الآن فماذا بعد الحصار؟ أجابني رجل يدعى أبو اليمان وقد بدت عليه آثار السنين فقد بلغ من العمر تسعة وأربعين عاماً، “يا بنيتي نحن لسنا بأفضل من أهالي داريا ومضايا فقد صبروا وصابروا خلال سنوات الحصار وانقطع عنهم الغذاء والدواء.
ونحن لن نسمح للعدو بقطع أملنا بالله تعالى، وسنقاوم حتى إسقاط النظام، وإسقاط كل طاغية، وتحرير بلادنا بالقوة؛ فما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.”
وأنا بدوري أنادي بأعلى صوتي، وأخاطب كل سوري مؤمن بقضيته أن يتسلح بالصبر أولاً ويتوجه للدعاء والتضرع لله عز وجل، وأن تكون هناك مبادرة جديدة بفتح طريق جديد سري أو علني من جهة الشيخ سعيد، لكي يتثنى لهم تمرير المواد والحاجيات اللازمة لاستمرار الحياة (مواد غذائية وأدوية ….)، فلا يمكن أن يكون اعتمادنا على طريق واحد إن خسرناه خسرنا كل شيء، ومن هنا من حلب الشهداء أحييكم، وأحيّي كل إنسان يقطن في المناطق المحررة؛ لأن كل منا مرابط ومجاهد في مضمار عمله.
وأنت أيها الانسان الذي تدور في فلك الظلم والعدوان لا تقل شأناً عن المجاهد المرابط على جبهات العز والإباء.
فاصبروا وصابروا…هكذا تعودنا أن نبقى صامدين ونواجه الصعاب بثقتنا بالله تعالى.