سماح حرح
هنا في السويد نقوم بلقاءات دورية مع مواطنين سويديين بهدف الاندماج وممارسة اللغة السويدية، فنقوم بنقاشات وحوارات بعدة مواضيع، أحد أهم المواضيع التي يتكلم السوريون بها هي ما يحدث في سوريا، فنسرد لهم ما يحدث فيها من قصف وتفجيرات واعتقالات كانت سببا في هجرتنا، كما نتحدث عن طريق الهجرة من ركوب البحر إلى ما يحدث في الطريق من مشاحنات وشجارات وأمطار والسير بالوحل حتى الوصول إلى البلد المطلوب للجوء إليه.
طريقة السرد غريبة عجيبة، يشرح أحدهم كيف جاءت قذيفة أطاحت بمنزله وما فيه، وكيف تطايرت الشظايا لألف ميل وهو يضحك قائلا: لقد انفجر واحترق كأنَّه لم يكن موجودا.
وآخر يشرح كيف جاء صاروخ قتل كلَّ من في الحي، وعائلات بأكملها ماتت، وآخر يشرح كيف أنَّنا حُرمنا من الكهرباء والماء لعدة أشهر، وآخر يشرح كيف كان الوضع في (البلم) ذلك القارب المطاطي، وكيف استوعب حوالي ٦٠ شخصاً، وكيف عانى البعض من دوار البحر، وكيف تساقطوا فوق بعضهم البعض وتقيؤوا ما في أجوافهم، وكيف بكى الأطفال، وكيف جلس بعضهم فوق بعض حتى فقد الإحساس بأطرافه، ومنهم من غرق وجاء خفر السواحل وأنقذهم بعد بضع ساعات في الماء، وكيف جلسنا في خيم و(كامبات) ونمنا على الأرض الملوثة وانتظرنا في طوابير طويلة.
كيف كان منَّا الأطباء والمهندسون والمحامون والأساتذة بمختلف اختصاصاتهم، والحرفيون والتجار، كيف هدمت أحلامهم وإنجازاتهم.
هذه الحكايات تروى بينما راويها يضحك والآخرون يتضاحكون هنا وهناك، كلهم مروا بتجارب مشابهة أعادت لهم ذكريات الحرب.
وفي غمرة الذكريات نجد السويديين ينظرون إلينا فاغرين أفواههم، البعض منهم الدموع في عينيه، مستغربين يبادرونا بالسؤال: كيف باستطاعتكم سرد هذه المآسي وأنتم تضحكون!
هذا سؤال آثار مزيدا من الضحك، هي ليست حالة فردية في كلِّ مجلس بدأت ألاحظ الشيء نفسه، صرت أتأمل وجوههم وهم يسردون ما حدث وابتساماتهم على وجوههم، هل يعني هذا أنَّهم لا يتألمون! لا إنَّهم يتألمون ومقهورون في داخلهم، لكن ما السبب؟ لماذا يضحكون؟ أنا ذات نفسي لا أعلم!
ما سرُّ سبب الضحك غير المنطقي في وجهة نظر السويديين، هناك شيء لأول مرة يشهدونه وكأنَّنا لم نعش شيئاً من المعاناة، لا شيء مضحك في كلِّ ما سبق، هي مآسٍ بشرية، وجروح عميقة تسرد أمامهم.
هذه مادة تستحق الدراسة من الخبراء النفسيين.
هل هو الإيمان؟ هل هي طريقة التفكير؟ هل مستوى التحمل والألم الذي ارتفع لدينا ممَّا شهدناه فأصبحت هذه أمور طبيعية؟ هل نحن بكامل قوانا العقلية؟!
لا أعلم هل هو شر البلية الذي أضحكنا؟!
لكن ربَّما يؤخذ علينا البيت القائل:
لا تحسبوا رقصي بينكم طرباً… فالطير يرقص مذبوحا من الألم