عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزَّ وجلَّ قال: (يا عبادي إنِّي حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا).
في ظلِّ تشرذم الفصائل وتعددها وتنوع داعميها وعدم وجودها في مكان واحد ووجود المناطق المحررة مقطعة الأوصال ومتباعدة الأطراف في القطر العربي السوري، كان ﻻ بدَّ من وجود أماكن ورجالات تقوم بعملية الحل والربط في الأمور المدنية، وهي على شكل محاكم استثنائية في كل منطقة، وذلك لرد المظالم والحقوق لأصحابها ومنع الاعتداء فيما بين الناس، وتوثيق التعاملات التجارية من بيع وشراء، وأحوال شخصية من زواج وطلاق أو ولادة ووفاة وغيرها.
ولا بدَّ من وضع آلية لتنفيذ الأحكام، وهذه من أهم الصعوبات التي واجهت تلك المحاكم نظرا لوجود فصائل مؤيدة ومعارضة لتلك المحاكم، وتدخّل تلك الفصائل في عملها بشتى أساليب الترغيب والترهيب.
وبعد طول معاناة تمَّ اﻻتفاق بين المثقفين القانونيين الأحرار والفصائل صاحبة الحل والعقد على تشكيل ثلاث محاكم عليا في جنوب ووسط وشمال سورية، وتوحدوا بقرارهم على اعتماد القانون العربي الموحد الذي أصبح المرجعية الرئيسية المطبقة في هذه المحاكم، فوضعوا الرجل المناسب في المكان المناسب بدلا من جهل الشيوخ والوجهاء قانونا في قيادة المحاكم.
القانون العربي الموحد الذي تمَّ اعتماده، تعتمده الدول المؤيدة والمعارضة لثورتنا، وقد اعتمدته أغلب الدول العربية بغالبية أحكامه وقوانينه غير المختلف عليها، وثمَّة وقفات تكون عند تنفيذ أحكامه بسبب اختلاف الأنظمة في الدولة العربية، فمثلا: تنفيذ حكم الإعدام مختلف بين الدول ما بين سيف ومشنقة ورمي بالرصاص حسب البلد الذي يطبقه، وهناك دول لا تطبق هذا الحكم.
وثمة دول تنفذ أحكامها حسب معاهداتها الدولية لا حسب القانون العربي الموحد، وهناك مراسيم عفو مختلفة الإصدار بين الدول، وهذا يعطي حرية للمحاكم العليا السورية المشكلة حديثا في تحقيقاتها ومرافعاتها وتنفيذ أحكامها، فالتحقيق والمرافعات يجوز تطبيقها حسب الوضع والأحداث التي تمر بها سورية، وأمَّا الأحكام فالأسباب المخففة في التنفيذ الصادرة عن القانون الموحد تجعل التنفيذ متناسبا مع وضعنا الداخلي، وبذلك نكون قد طبقنا القانون العربي الموحد كمرجع رئيس لقانون محاكمنا العليا المشكلة حديثا بدﻻ من القانون السوري والروسي المفصَّل لنا، وكذلك هو أفضل من ارتجالية محاكمنا السابقة التي لم يكن يقودها مختصون.
أعتقد أنَّه من الواجب علينا مساعدة تلك المحاكم التي تعمل ضمن المتاح وباختصاصين؛ لأنَّ حياة أهل الغاب القوي يأكل الضعيف ﻻ تناسب الثورات، ومع ذلك وفي ظل غياب السلطات الحكومية التشريعية والقضائية والتنفيذية سيكون هناك إلى جانب الثوار والمثقفين أصحاب نفوس ضعيفة وخونة وعملاء تسول لهم أنفسهم ارتكاب المخالفات والجرائم، فالعدالة والأمان يجب أن ترافق الثورة إن لم تكن قبلها موجودة ومدروسة، وهذه التشكيلات تضع القضاة والمحامين الأحرار المتحمسين للعمل جانب أخوتهم المجاهدين كلٌ حسب اختصاصه، ليعملوا بشيء لم يتعودوا العمل به في ظلِّ نظام فاسد وظالم.