يوسف أحمد بدوي |
يعتمد أغلب سكان المحافظات السورية على الوقود لتأمين التدفئة، وبالتحديد مادة المازوت التي تعدُّ الأنسب لإشعال المدافئ، حيث يعتمد السكان هذا النمط لحصولهم على الدفء اللازم في فصل الشتاء.
إلا أنه في ظل الحرب المستمرة منذ سبعة أعوام تقريباً، وارتفاع أسعار الوقود بكافة أنواعه، لجأ الناس إلى بدائل أخرى للحصول على الدفء في فصل الشتاء. سنتكلم في هذا المقال عن البديل الذي اختاره الناس، وعن الآثار الناجمة عنه جراء اخيارهم له في ظل انعدام الرقابة والمحاسبة نظرا لما تمرُّ به سورية منذ سنوات مضمت.
إن من أكثر الخيارات التي لجأ الناس إليها في أغلب المناطق المحررة لتأمين الدفء هو الحطب، حيث يتمكن الناس من تأمينه، لكن ربما لم يتساءل أحد عن النتائج المترتبة التي لا تشمل الإنسان فقط بل الأرض والحيوان والطيور والمناخ.
النتائج المستقبلية قد تكون كارثية بكل معنى الكلمة، فعدد الأشجار التي قُطعت منذ بداية الحرب وصل إلى ملايين الأشجار، غابات كاملة حُصدت على طول السنين السبع الماضية نتيجة انعدام الوعي السكاني، إذ لا بد من حملات توعية تُنذر الناس بما قد يحصل نتيجة تلك الممارسات، فقطع الأشجار أصبح مهنة مربحة، يعمل بها بعض الناس ويكسبون الملايين من الليرات متجاهلين أنهم يذبحون البلد بهذه الأفعال، انعدام الوعي العام جعل البائع والمشتري يتجاهلان الآثار البيئية التي ستحصل مستقبلاً، تغيرات خطيرة في المناخ وتصحر عارم سيزحف إلينا، ناهيك عن الانقراض المناطقي لبعض أنواع الحيوانات، وعلى مستوى الرفاهية فإن تبدل المساحات الخضراء تلك لأخرى قاحلة سيجعل هذا البلد المليء باللون الأخضر والمناظر الجميلة بلدا مختلفا، كما أن السكان سيتمنون وجود مكان يقضون فيه نزهة عائلية.
ما سبق كان بخصوص قطع الأشجار وهي المرحلة الأولى للمشكلة، لكن ماذا عن المرحلة الثانية وهي عملية حرق تلك الأشجار. ما إن يحل المغرب على الشمال السوري حتى يتحول منظر الغروب والصفاء ذاك إلى محرقة حقيقية، يأتي المساء وتنخفض درجات الحرارة، ليبدأ السكان بعدها بإشعال مدافئهم التي أغلبها تعمل على الحطب وهنا تبدأ المحرقة، نعم إنها محرقة حقيقية تحصل، إذ يعم الضباب الدخاني أرجاء المعمورة، وتبدأ المداخن بالفوران كأنها بركان، فيتصاعد الدخان بشكل رهيب ومزعج بل وحزين أيضاً، دخان رمادي يتخلله السواد نتيجة استخدام البلاستيك لتسهيل عملية إحراق تلك الأخشاب، ليس البلاستيك فقط، بل أي شيء يجده المواطن أمامه، إسفنجة قديمة مثلاً، ثياب مهترئة، صندوق قديم تم العثور عليه في مكانٍ ما، أي شيء، المهم أن تشتعل المدفأة في داخل البيت، أما الخراب والتلوث البيئي الذي يحدث خارج البيت فلا مشكلة به إطلاقاً!!
إن المشكلة في ذلك الفعل أنه بشكل جماعي ما ينذر بمشكلة حقيقية، فهل سيستمر هذا الوضع الكارثي في فصول الشتاء المقبلة؟ وهل حقاً لا توجد حلول بديلة لتدفئة أجساد الأطفال الصغار وتأمين أبسط حقوهم في تأمين الدفء لهم؟ هل نستسلم لهذه الحالة في سبيل تأمين حياة السكان من البرد القارس؟ أم سيتم إيجاد حلول في المستقبل القريب قبل وقوع الكارثة؟! أم الأمور السياسية التي تجري تجعلنا نتغاضى عن الأمور الأخرى حتى ولو كانت نتائجها مدمرة؟! يتساءل عاقل ..