عبد الله درويش
من عبق التاريخ تأتي نسمات محملة بطيب الكلام من خير الخلق (استوصوا بالنساء خيرا ً) لتكون هذه الوصية مقترنة بالصلاة التي هي أهم أركان الإسلام وفي لحظات وداع النبي للحياة.
ولأنَّ النساء شقائق الرجال، كان حريٌّ بالمجتمع أن يستثمر هذا الشق المهم من المجتمع، ليكون اليد الأخرى مع الرجل في البناء المجتمعي وصنع حضارته ومجده ورسم مستقبله.
من هنا كان مركز المرأة الريفية في الريف الغربي لحلب الذي تبنته السورية للطوارئ، الذي تقوم به مجموعة من النساء المتميزات في إيصال المعلومة، وهذه المجموعة تتكون من الحريصات على تنمية مهارات المرأة، ورفع قدراتها لتكون مؤثرة وفاعلة في مجتمعها، وبناء ثقتها بنفسها عبر كلِّ المراحل، بنتاً، وأماً، وحتى طفلة.
يضم المركز روضة أطفال، ودورة للفتيات في اللغة الإنكليزية، ودورة تمريض للنساء، وجلسات توعية، ودعما نفسيا.
عدد الكادر سبعة أعضاء بين معلمة ومدربة، يقدم الخدمة لثمانين شخصاَ بين كلِّ الأقسام بطرق تعليمية وتربوية حديثة، وبوسائل متطورة.
تقول مديرة المشروع (إيناس الحمادة): “إيماناً بدور المرأة في بناء المجتمع وقدرتها على التأثير في أسرتها ومجتمعها، أقمنا هذا المركز لبناء ثقة المرأة السورية بنفسها، ورفع كفاءتها لتكون أكثر قدرة على التأثير في المجتمع بدلاً من أن تكون رقماً في الحياة، ولتكون على مستوى الحدث الذي تعايشه، فتستلم زمام المبادرة في قيادة مجتمعها، ولكيلا تكون مركونة في بيتها كأي قطعة أثاث فيه”.
وتقول الممرضة (هدى): “نقوم بتعليم المرأة الإسعافات الأولية والتوعية بالصحة الإنجابية لما لهذه الأمور من أهمية وخاصة في ظلِّ الأوضاع الراهنة التي تعيشها سورية من حروب وقلة أطباء؛ لتكون قادرة على الاهتمام بصحتها وصحة أسرتها على أقل تقدير”.
بينما تقول (بتول) معلمة اللغة الإنكليزية: “في وضع الانفتاح على العالم وانتشار وسائل الاتصال الحديثة أصبح من الضروري أن تلمَّ المرأة السورية باللغة لتصبح أكثر قدرة على التواصل مع الآخرين، وتكون قادرة على تعليم أطفالها ومن حولها”.
تجد (نور) المتعة في تعليم الأطفال الصغار واللعب معهم، ليصبحوا قادرين على استقبال المدرسة بقوة شخصية ورصيد علمي جيد، وليتعلموا الآداب والتعامل مع رفاقهم بشكل متوازن.
وأمَّا (ميسون) مدربة الدعم النفسي ترى ضرورة بناء مهارات المرأة في التعامل مع الحياة والتأقلم مع الوضع الذي تعيشه المرأة؛ لتكون لبنة في البناء بدلاً من أن تكون قنبلة موقوتة أو عائقاً في تطور المجتمع، كما أنَّ المرأة تصبح قادرة على حلِّ مشاكلها ومشاكل أسرتها بدلاً من التشكي هنا وهناك.
وتقول (مايا) إحدى المستفيدات: “نحن مسرورات كثيراً بهذا المركز، فنحن نتعلم فيه الكثير من الأمور التي تساعدنا في الحياة العملية، ونوسع معرفتنا، ونتعارف على بعضنا، ونتشارك في تنمية بعضنا”.
المرأة هي شريك حقيقي للرجل في تنمية المجتمع وتربية الأولاد، وليست عورة تتوارى بين جدران بيتها، وليست رقماً يُعد في الإحصاء وحسب، فالمرأة تركت بصمتها عبر التاريخ، وإذا أردنا أن نسرِّع من عملية بناء الحضارة فلا بدَّ من تفعيل دور المرأة لتكون جنباً إلى جنب مع الرجل، فهي نصف المجتمع الذي يربِّي نصفه الآخر.
وانتشار مثل هذه المراكز التي تمثل مكاناً صديقاً وآمناً للمرأة يزيد من نشر الوعي وتأمين فرص عمل كريم للمرأة، ولا نراها تقف على طوابير الإغاثة التي كثيراً ما تؤثر على كرامتها، أو تضطر للعمل في أعمال لا تناسب أنوثتها وعفتها.