عبد العزيز العباس |
ليست مستعمرة أمريكية أو بريطانية وإن كانت قوات المارينز تحرسها من الداخل والخارج، إنها مستعمرة كل سكانها من الأغنياء وأصحاب النفوذ لا مكان للفقراء والمحتاجين بينهم.
تلك كانت إحدى تنبؤات (أحمد خالد توفيق) الكاتب الروائي المصري المعروف باسم العرَّاب، حيث تنبَّأ بتحول مصر إلى عالمين مختلفين، عالم يوتوبيا أو مستعمرة يوتوبيا وعالم الأغيار أو الفقراء، المستعمرة محصنة يمنع الدخول إليها إلا بتصريح دخول، لكن أين الطبقة الوسطى؟ أين اختفت مع تطور الأحداث وزيادة غنى الأغنياء وفقر الفقراء؟
في رواية (يوتوبيا) شخص اسمه (علاء) غني جداً، أبوه اسمه (مراد) صاحب شركات ضخمة، لكن لماذا علاء بالتحديد اختاره الكاتب ليكون أبرز أبطال روايته؟ لأنه شاب غني يتعاطى المخدرات له علاقات غرامية كثيرة يمثل فئة الشباب في يوتوبيا أو أولاد المسؤولين، ليس له عمل سوى تعاطي الكحول والمخدرات.
يخطط علاء صيد أحد الضحايا في عالم الأغيار؛ لأنها هواية ممتعة! هذه الفكرة تشبه أحد أفلام فان دام في فيلم hard target
يقبض شباب من عالم الأغيار على علاء ويحاولون قتله، لكنّ (جابر) يقنعهم بأنّه من عالم الأغيار، فملابسه ورائحته تدل على فقره هو وصديقته (جرمينال) فهما قد لبسا لباس عالم الأغيار ويعيشان مع جابر وأخته (صفية) ويتعرفان على عالم الأغيار الذي أصبح موجوداً في كل دولة ليس في مصر وحدها.
في عالم الأغيار يعتبر التكاثر هو رفاهية الفقراء الوحيدة، والفول والطعمية هو طعام الأغيار المقدس.
هناك نهايتان في هذه الرواية: الأولى نهاية قصة علاء في عالم الأغيار، حيث تمكّن من الهرب بمساعدة جابر لكنه قطع يد جابر واغتصب أخته، أمّا الأخرى فهي ثورة يقوم بها عالم الأغيار، كأنّ أحمد خالد توفيق تحدّث عن الثورة المصرية قبل وقوعها.
يمثل جابر نموذج المثقف الفقير أو المثقف الذي يعيش في أحلامه وكتبه وعالمه الخاص، يحاول الإصلاح والتغيير لكنّه في الوقت نفسه غير قادر على فهم أنّ التغيير لا يتم بالرضا بالظلم والقهر وتحسين وتجميل العجز، فعالم يوتوبيا وعالم الأغيار متشابهان في كليهما، يُشرب الحشيش والمخدرات ويُمارس الجنس والبغاء مع اختلاف الطريقة والأسلوب، فالفقر لا يدع مجالاً للشخص كي يتغير، هو يحدد ويرسم قدرة الإنسان على فعل أي شيء، لكن هناك في عالم الأغيار من يريد التغيير والثورة مثل (عبد الظاهر) الذي استطاع مع مجموعة من الشباب السيطرة على البيرول وهو مصدر الطاقة البديل للبترول، وبذلك شلّ حركة يوتوبيا كلها.
هل الفقير هو الذي يساهم في غنى الغني أم العكس؟ الأمور معقدة؛ لأنّ دورة المال والسلطة تلعبان دورهما في تحديد مصير الشعب، لا نقول إنّ السلطة سبب فقر الفقير، لكنها تساهم برسم الحدود، وشيئا فشيئا تختفي الطبقة الوسطى وتظهر طبقتان متشابهتان في المضمون مختلفتان في الشكل، على سبيل المثال علاء هو من يوتوبيا في شكله لكنّه من عالم الأغيار في مضمونه والقيم عنده هي الجنس والحشيش والمخدرات، أهم ما في الوجود لا يتعامل مع أمه وأبيه بطريقة تليق بهما فهو يناديهما باسمهما مراد ولارين.
دور التربية المنزلية مهم جداً أكثر من دور المدرسة خاصةً في الطبقة الفقيرة؛ لأنّ الطفل في هذه الطبقة عرضة للانحراف أكثر من الطفل في الطبقة الغنية لغياب المال، فيبدأ هذا الطفل يأخذ قيمه ومبادئه من الشارع وليس من القوانين حتى تغدو قيم الشارع قوانين لكنّها ليست رسمية.
تغيير فكر الإنسان وسلوكه أمر صعب، لذا تحاول الدول التي يهمها أمر هذا الإنسان إشغاله بالمدرسة، فبالعلم والمعرفة تحاول زرع روح القوانين التي تحفظ لأي شخص حقه مهما كان عرقه أو دينه، لأن القانون المدني والتربية هما طريق خلاص أي شعب.