حارث العباسي |
لم تعد اللغة العربية في الدولة التركية مجرد لغة عابرة، بل أصبحنا نألف الكلمات العربية في الإعلانات وعلى واجهات الأسواق والمحلات وأصبح الصوت العربي مألوفًا في وسائل المواصلات والطرقات، ولم يعد غريبًا أن ترى تركيًّا يحمل كتابًا باللغة العربية، فأصبحت معاهد اللغة العربية وأقسام اللغة العربية في عددٍ كبير من الجامعات التركية، وكذلك إقبال الأتراك على تعلم اللغة كبير جدًّا مقارنة بالسنوات السابقة، ويجمع متعلمو اللغة العربية أن مستقبل اللغة العربية سيكون في السنوات المقبلة مشرقًا، وسيكون لها جيل يتعلمها لأجل فهم القرآن الكريم والثقافة العربية.
لماذا اللغة العربية؟
اللغة العربية ليست مجرد لغة قومية لمجموعة من الناس، بل لغة الوحي وبها تفهم تعاليم الإسلام، لذا أصبح لزامًا على من يعتنق الدين الإسلامي أن يتعلمها، ليفهم من خلالها آيات القران الكريم والحديث النبوي الشريف، ولأجل ذلك أقبل الأتراك على تعلمها.
فتاريخ اللغة العربية بتركيا قديم، حيث اعتمدت العربية لغة الأتراك فور اعتناقهم للإسلام خلال فترة حكم القراخانيين سنة 932 م، الذين اتخذوا الحرف القرآني لكتابة اللغة التركية، ثم أصبحت العربية بعد ذلك اللغة الرسمية للدولة التركية في الأناضول.
“لم تكن اللغة العربية دخيلة على الشعب التركي، ولم تدخلْ إليهم بشكل مفاجئ، بل كانت لغة دولتهم العثمانية في يومٍ من الأيام، وكانت حروف لغتهم التركية الأم كحروف اللغة العربية”
واستمر تعليم اللغة العربية في العهد العثماني، باعتبارها لغة النظام الإداري الذي ورثه العثمانيون من الأتراك السلجوقيين ولم تكن فيه الثقافة التركية الطابع الغالب في المجتمع الإسلامي، بل كانت منصهرة في ثقافة إسلامية مشتركة.
وفي عهد مصطفى كمال أتاتورك عرف تعليمها فترة ركود مفاجئ خلال تأسيس الجمهورية التركية، وذلك إثر قرار أتاتورك توحيد التعليم، الذي تم بموجبه إلغاء المدارس التقليدية التي كانت تدرس بها اللغة العربية، وبعد مدة من فتور تعليم اللغة العربية ومحاولة إقصائها عن الواقع التركي، عادتْ من جديد إلى الساحة وبقوة هذه المرة، وأصبحت القوانين والنظم الحاليّة تشجع على تعليمها وتعلمها، بل وأفسحتْ المجال للمعاهد والجامعات، بإنشاء أقسام للغة العربية وآدابها.
ما دوافع الأتراك لتعلم اللغة العربية؟
تختلف دوافع الأتراك لتعلم اللغة العربية بحسب اختلاف توجهاتهم وميولهم في الحياة، وفي كثيرٍ من الأحيان حسب توجه الحياة العامة، ومن هذه الدوافع:
– الدوافع الاندماجية أو الانتمائية: وهي الدوافع التي نجدها عند الذين يريدون الاندماج الكامل في المجتمع بكل حيثياته، وتكون غالبًا بسبب الهجرة إلى بلد اللغة والعيش فيه أو بسبب الزواج أو للتعرف على الثقافة العربية والتراث العربي أو محاولة الاندماج مع الجالية العربية التي أصبح لها وجودٌ كبير في بعض المحافظات التركية.
– الدوافع الدينية: تأتي في المرحلة الثانية من حيث قوة التأثير، فالدين الإسلامي ذو تأثير قوي في تعلم اللغة العربية؛ لأن العربية لغة القرآن الكريم.
“معظم الباحثين ومدرسي اللغة العربية للناطقين بغيرها، يرجحون كفّة إقبال الأتراك على تعلم اللغة العربية، لأجل فهم القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، وتأتي الدوافع الاندماجية والانتمائية بعدها”
وقد جرت العادة أن يسأل مدرس العربية للناطقين بغيرها الطالب عن دافعه أو هدفه من تعلم العربية، والإجابة تكاد تكون واحدة وهي فهم القرآن الكريم، وفي لقائي بعدد كبير من الطلبة الأتراك في الجامعات أو المعاهد التي تدرس اللغة العربية، يكون جوابهم أن هدفهم من تعلم اللغة العربية، فهم القرآن الكريم وتعاليم الدين الإسلامي.
– الدوافع النفعية أو الوظيفية: يعتبر هذا الدافع مهمًا للذين يعملون في المجالات التجارية أو الشركات التركية التي تتعامل مع الجالية العربية أو يُقبل إليها أصحاب المحلات في الأسواق التي يقصدها العرب للسياحة، لا سيما في مدينة إسطنبول، حيث تجد الكثير من أصحاب المحلات لهم إلمام ولو كان بسيطًا باللغة العربية، وبدأ كثيرٌ منهم بدخول دورات مركزة لتعلم اللغة، لأنها أصبحت ضرورية في مدينة إسطنبول التي يقطنها ما يقارب 3 ملايين عربي.
وتختلف هذه الدوافع بنسبة تأثيرها على المتعلمين، ومعظم الباحثين ومدرسي اللغة العربية للناطقين بغيرها، يرجحون كفّة إقبال الأتراك على تعلم اللغة العربية، لأجل فهم القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، وتأتي الدوافع الاندماجية والانتمائية بعدها، ويعد تعلم اللغة العربية لأجل الوظيفة أو المنفعة، من أضعف الدوافع من حيث التأثير.
ما مستقبل اللغة العربية في تركيا؟
لم تكن اللغة العربية دخيلة على الشعب التركي، ولم تدخلْ إليهم بشكل مفاجئ، بل كانت لغة دولتهم العثمانية في يومٍ من الأيام، وكانت حروف لغتهم التركية الأم كحروف اللغة العربية، ولكن بعد مجيء مصطفى كمال أتاتورك حول اللغة التركية من كتابتها باللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية، في سياسة جديدة اتبعها مع تأسيس الدولة التركية الحديثة، واستمرت إلى يومنا هذا، تكتبُ بهذه الطريقة.
ولكن دوام الحال من المحال، فقبل عامين، بدأت بعض المدراس التركيّة إدخال حصص لتعليم اللغة العربية ضمن منهاجها بشكل رسمي، في مقدّمتها مدارس الأئمة والخطباء “الإمام الخطيب، محمد أمين سراج”، من خلال حصتين أو ست حصص أسبوعية.
“لعل المتتبع للواقع التركي من خلال نظرة بسيطة للمعاهد والجامعات، يرى أن هناك تنافسًا بينهم لتقديم دورات ودروس وتخصصات في اللغة العربية، فضلًا عن أن بعض الجامعات استحدثت أقسامًا للغة العربية في الآونة الأخيرة”
وفي لقاء مع روميسا مدرسة اللغة العربية في منطقة الفاتح أوضحت أن من الواجب تعلّم لغة القرآن والإسلام، ومن المعيب التحدّث مع مسلم عن الدين بلغة غير عربية، وتتابع روميسا: “لم يتغير حب الأتراك للغة العربية، ولكن الذي تغير هو القوانين وبعض الحكّام الذين أبعدوا الأتراك عن العربية والحرف العربي”، وتضيف أيضًا: “ثمّة أساليب عدة يمكن اعتمادها لتحفيز التلاميذ على تعلم اللغة العربية، كالحفلات والحوارات بينهم وبين التلاميذ السوريين الذين انتشروا خلال الأعوام الأخيرة في كل المدارس التركية”.
فيما تتضافر عوامل كثيرة لمستقبل مزهر للغة العربية في تركيا، وذلك لاشتراك الأتراك مع العرب بالانتساب الى الإسلام، وكذلك التقارب مع البلدان العربية، فيما يتوقع أتراك أن تعود اللغة العربية التي تصنّف السادسة عالميًا والرابعة لجهة الانتشار، إلى تركيا كلغة ثانية وربما رسمية لاحقًا، نظرًا لاعتبارات الجوار والتاريخ المشترك، إضافة أن 6500 كلمة باللغة التركية هي من أصل عربي.
إن اجتماع هذه العوامل في نفس الوقت، يجعلنا نستبشر بمستقبل قوي للغة العربية في تركيا، ولعل المتتبع للواقع التركي من خلال نظرة بسيطة للمعاهد والجامعات، يرى أن هناك تنافسًا بينهم لتقديم دورات ودروس وتخصصات في اللغة العربية، فضلًا عن أن بعض الجامعات استحدثت أقسامًا للغة العربية في الآونة الأخيرة.
المصدر: نون بوست